دعا عدد من المختصين إلى منع الأطفال وصغار السن من مشاركة الكبار في المجالس الحية والافتراضية حماية لهم مما يعرف مجتمعيا بـ«الطقطقة»، وهي تنمر يتخذ من القالب الفكاهي مطية له، حتى لو كانت فكاهة مدمرة، ويمارس وسط قبول وجهل مجتمعي بأضراره النفسية والمجتمعية، وتتفاوت سلبياته وتصل بضحاياه إلى مستويات عالية من الانحراف قد تقودهم إلى الانتماء لعصابات إجرامية أو حتى جماعات إرهابية.

ويمكن أن نشير إلى أن الطقطقة تتضمن السخرية الجارحة التي تمارس كنوع من أنواع الاضطهاد الخفي ضد الضحايا لا سيما الصغار الذين يعدون الأعجز عن التعامل معها والرد عليها.

و«الطقطقة» مصطلح سعودي يعني التهكم والسخرية بالآخرين من باب المزاح، ويمارسها دعاة الذكاء والفهلوة ضد من يعدونهم سذجا، وغالبا ما تجد القبول من الآخرين، في وقت كان من المفترض أن تواجه بالاستهجان، خصوصا وأنها مما نهى عنه الدين الحنيف، حيث يقول الله تعالى في محكم تنزيله في الآية 11 من سورة الحجرات {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب}.

الاضطهاد الخفي:

أكد أخصائي علم النفس الدكتور أسامة السيد أن «السخرية الجارحة التي تمارس بمسمى «الطقطقة» تعرف علميا بالاضطهاد الخفي، وهو من أشرس أنواع الاضطهاد، وما يزيد الأمر سوءا أنه أصبح يمارس في المجالس وسط قبول ورضا مجتمعي، وسميّ بالاضطهاد الخفي لأنه لا يمكن قياسه ومعرفة مدى تأثر على الضحية، كما أن آثاره على الضحية لا تكتشف إلا من قبل مختصين، وله تأثيرات خطيرة قد تصل بضحيته إلى الانحراف الفكري والأخلاقي».

والاضطهاد الخفي يتسبب لضحاياه، خصوصا من صغار السن الذين لا يحسنون الدفاع عن أنفسهم - بذات الأسلوب - بتراكم مجموعة من المشاعر السلبية الناتجة عن الشعور بالعار وجلد الذات بسبب تعرضهم للسخرية والانتقاص الذي يوجه لهم على شكل «طقطقة» ترفع طاقة الكراهية عندهم، حيث يلجأ الضحية مع هذه السخرية إلى تغذية نفسه بمجموعة مشاعر سلبية تعود عليه بنكسات نفسية تصل في أضرارها إلى اضطراب في الشخصية وتشوه العلاقة مع الآخرين، وانحراف يصل عند بعض الضحايا إلى أن ينضموا إلى عصابات ومجموعات إجرامية وإرهابية.

بيوت الأشباح

باتت الشماتة، وهي الشعور بالسعادة أو الرضا عن النفس عند معرفة أو مشاهدة معاناة إفشال أو إذلال الآخرين، أمرا ترفيهيا لدى بعض المستهترين، وقد تعددت أساليبها وأشكالها وأماكنها في المجالس الحية والافتراضية، وأصبح الشامتون يستبيحون الأعراض تحت ذريعة الفكاهة و«الطقطقة»، ويتخذونها وسيلة للترفيه و«الوناسة»، ومن الضروري نبذ هذا النوع من السلوك وعدم المساهمة في نشره لأنه يحوّل المجالس العامرة إلى بيوت أشباح تزرع الشر وتنشر الكراهية وتخرج المعتلين نفسيا إلى المجتمع.

ويقود تعرض بعض الأشخاص للاستهزاء والسخرية من قبل الآخرين، إما بسبب طبيعة عملهم، أو شكلهم، أو لونهم، أو بسبب إعاقات جسدية أو لفظية يعانون، ويكون الاستهزاء بإطلاق الألقاب عليهم، ووصفهم بكلمات جارحة تجعلهم أضحوكة بين الناس، إلى تدمير نفسياتهم، ما يدفعهم إلى العزلة والاكتئاب والابتعاد عن الواقع هربا من كونه واقعا مؤلما.

ويسير «المطقطق» وهو من يمارس الطقطقة على الآخرين، على خطى المهرجين الأوائل، الذين بدأوا في أول أمرهم كأشخاص يمارسون الكوميديا عبر إخفاء وجوههم بأقنعة ضاحكة لنشر الفرح والفكاهة فيمن حولهم، لكن الحال انقلب اليوم، وباتوا اليوم في العرف العالمي رمزا للرعب والخوف والجريمة، وكذلك من كان يطلق «فاكهة المجالس» تحول بسخريته وجلْده لغيره تحت ما يعرف باسم «الطقطقة» إلى زارعين للكراهية والبغض في المجالس الحية والافتراضية، حيث يسهمون في إحياء التعصبات والتوتر وتشويه العلاقات الاجتماعية.

مهرج متربص

يقول الناقد الرياضي عبدالعزيز الجهني إن «الطقطقة» تعني مقابلة الأشخاص والمواضيع بالتهكم والسخرية، وأنه يمارسها من يتحلى بسرعة البديهة والفهلوة بحق من يريد تسطيحهم أو تهميشهم، وتنتشر هذه العادة الذميمة وتمارس بين فئات من المجتمع تحت عنوان «الفكاهة والمرح»، وهي تعبر عن عدم احترام الآخر، ويقول "المفارقة أن هذه الصفة الذميمة تؤخذ من باب المزاح، وتلقى استحسانا من فئات مجتمعية تجدها طريقة لائقة في الترفيه عن أنفسهم على حساب الآخرين، وما يزيد الأمر سوءا أن هذا النوع المقيت من السخرية أصبح يتاجر فيه للكسب المادي، فبعض مشاهير التواصل الاجتماعي جمعوا كثيرا من المتابعين عبر ممارسة التهكم على الأشخاص.

وتحضر الطقطقة والتهريج بجلاء في الأوساط الرياضية، وقد خلفت نتيجة ممارستها التعصب الرياضي، فأصبح كل جمهور متعصب لناديه يجمع حوله ما يمكن تسميته بـ«المهرجين الجدد»، الذين يملؤون المجالس ومواقع التواصل الاجتماعي بعد كل لقاء رياضي بكم هائل من التهكم الساخر غير المقبول لرفع شأن ناديهم والحط من النادي المنافس بأسلوب فج وفاضح.

وفي ظل التطورات الثقافية والاجتماعية والإعلامية، وخاصة مع انتشار واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت في متناول الجميع، والتي يصعب الحد منها أو مراقبتها بشكل حازم، أصبح للمهرجين الجدد وسائل للنشر الرقمي، وهم يجدون الدعم من رسامين وتقنين يخرجون تهكمهم الساخر على شكل قوالب صور ومقاطع مصورة ونكت يساعدون على نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي، دافعهم التعصب ومناصرة ميولهم الفكرية والرياضية ليخلقوا جوا من التوتر والتجاوزات الأخلاقية التي يجب التصدي لهم ومحاسبتهم للحد من آثارهم الاجتماعية.

مواجهة الطقطقة

ترى اختصاصية علم النفس الدكتورة آمال الربعي أن «الساخر المتهكم شديد التأثير على غيره، لأن السخرية تدفع للشعور بالإحراج والعار، وهو أسوء شعور يحس به الإنسان الطبيعي، ومن الضروري سرعة التخلص من تأثيره على الضحية».

وتضيف «في علم النفس توجد علاقة بين السخرية من الآخرين واضطراب الشخصية، فعادة لا يهزأ بالناس ولا يستمتع بالسخرية منهم شخص سليم نفسيا، وعليه هو أيضا أن يبادر إلى تلقي العلاج حتى يستطيع مشاركة الآخرين في حياتهم الاجتماعية، والساخر والمتهكم غالبا ما يكون محملا بنفسه بالألم، ويحاول إسقاط جرحه على الآخرين، وأسرع طرق التخلص من تأثيره هو تعويم السخرية الموجهة، ومقابلة ما يصدر عنه بالتسطيح والتجاهل والبعد عن الجدية، ومن لا يحسن ذلك فعليه بمقابلتها بذكر الإيجابيات في نفسه ومدح الذات والابتعاد عن الشخصنة أو تفسير السخرية بالعداء للتقليل من أثرها».

وتنصح الربعي بترك المجالس والأشخاص المستهزئين، وتذكر بأن السخرية ممقوتة في الإسلام وجميع الأديان السماوية والأعراف المجتمعية.

تشويه مدارس التعليم

كثيراً ما شكلت المجالس مدارس لتعليم النشء، وكثيراً ما تم تداول حكايات وقصص لآباء حرصوا على اصطحاب أبنائهم إلى مجالس الكبار ليتلقوا منها الحكمة، ويتعلموا عبرها طريقة المحادثة والمخاطبة، ويتقنوا عادات الكبار وأساليبهم في الحوار وحسن الاستماع، لكن هذا يبقى رهناً بالتزام تلك المجالس بوقارها، وبآداب المجالسة والحوار، وتجنب صغائر الأمور، والابتعاد عن كل ما يسيء للأشخاص في قدرهم وسمعتهم وهيبتهم.

ويبحث الصغار عادة عن القدوات من الكبار، وهذا يلقي مسؤولية مضاعفة على عاتق الكبار في المجالس، حيث عليهم أن يضعوا وجود الصغار فيها في الحسبان، لا أن يسقطوهم من حساباتهم، وبالتالي عليهم بحث بعض الأمور وتجنب أخرى خصوصاً إذا كان صغار المجلس قد يسيئون فهمها.

وتذكر كتب التاريخ أن معاوية بن أبي سفيان سأل عمرو بن العاص سؤالا عن ما هي اللذة؟ فقال عمرو بن العاص: مُر أحداث قريش أن يخرجوا.. فلما خرج الصغار أجابه عنها، وقد حرص على خروجهم حتى لا يأخذهم فضولهم إلى البحث عنها فينحرف بهم تفكيرهم.

ولعل هذا التصرف يقود إلى المجالس التي يحضرها صغار السن تبدو بحاجة إلى عناية ورعاية أشد من تلك المخصصة فقط للكبار، حتى لا تقود هفوات ولا سخرية ولا «طقطقة» إلى الانتقاص من الصغير العاجز عن الرد، أو حتى تقلل من شأنه في نظير البقية فيسيئوا إليه ويتنمروا عليه.

آثار خطيرة

تترك السخرية من الصغار أو «الطقطقة» عليه آثارا نفسية خطيرة تلقي بظلالها على شخصيته الطفل طيلة حياته، وكثيرا ما تلتصق الدعابات والمواقف الساخرة، والتسميات والصفات الساخرة التي يطلقها الكبار على بعض الصغار بهم طيلة حياتهم، وقد تقود من تمت السخرية منه والطقطقة عليه إلى الانطواء والعزلة والغضب وضعف الثقة بالنفس.

الشعور الذي يحتاجه الصغير من المجالس

01 الاتصال

02 الانتماء

03 الحب

04 الأمان

05 القبول

06 الوجود

أضرار الطقطقة

1- تشوه في العلاقات

2- اضطراب في الشخصية

3- عدم ثقة في النفس

4- الشعور بالنقص

5- عدم الأريحية

6- تعزز الشعور بكراهية الذات

7- تنمي عادة ازدراء الآخر

8- تنمي عدم الشعور بالاستحقاق

9- الشعور بالعار وجلد الذات