الدرس الثاني المُستفاد من هذه الجائحة، يتعلق بحق المُواطنة وتنمية الحس الوطني وتعزيزه، تُعتبر جائحة كورونا «درسا نموذجيا واقعيا وعمليا» لما قامت به الدولة أعزها الله بقيادتها الرشيدة والحكيمة والراعية للجميع، ورجالها المُخلصين من رعاية للمُواطن والمُقيم في شتى مجالات الحياة «الصحية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية»، فلم نشعر بهول الأزمة، ولم تُؤثر فينا جميعا تداعياتها السلبية. دعم لا محدود وغير مسبوق في شتى مناحي الحياة، حتى خيل لنا أنه ليست هناك أزمة البتة، مثل هذا لم يحصل في أي مُجتمع دولي مُتقدم أو نام، هنا تتجلى صورة المُواطنة الصحيحة والصالحة، وحب الوطن والولاء المُطلق لقيادته وله. هنا تُوأد المُزايدات على المُواطنة وحب الوطن في مهدها، لتحل مكانها «وطن للجميع» بحب وولاء لتنمية مُستدامة، ووطن طموح واقتصاد مُزدهر، ومُجتمع آمن ومُترابط ومنتج.
يتعلق الدرس الثالث بالنظام الصحي، ومدى جاهزيته للتعاطي مع الأزمات الصحية الحرجة. كان وما زال أداء النظام الصحي في التعامل مع الجائحة في أعلى سلم مُؤشرات الأداء، ما على النظام الصحي فعله هو تغيير شكله ومحتواه، ليخرج من عباءة الرعاية الصحية العلاجية التقليدية والمُتمركزة حول المرض، ليصبح شموليا، مُتمركزا حول المريض، مع التركيز على برامج الصحة العامة والوقاية من الأمراض، وتغيير نمط الحياة والصحة السلوكية والرعاية الصحية النفسية، وتحسين جودة الحياة.
يتجسد الدرس الرابع المُستقى في النظام التعليمي، فهناك نقلة نوعية اضطرارية صنعتها الجائحة، للتحول من التعليم التقليدي «كتاب ومعلم ومكان ومُواجهة حسية»، إلى التعليم الافتراضي عن بعد، مُعلم في منزله وطالب في بيته وأمامه جهازه الحاسوبي، ودرس افتراضي وامتحان عن بعد، وإدارة تربوية بمُشاركة منزلية عن بعد. لربما بدون تفشي الجائحة نحتاج سنوات لتطبيق هذا المنهج. هنا درس مُستفاد، على النظام التعليمي تقييم التجربة باستفاضة، والتوسع والتطوير والاستمرارية في التعليم الافتراضي، كونه المُستقبل، ووضع السياسيات والإجراءات والنظم والتشريعات حول هذا النظام التعليمي الجديد، وتهيئة البيئة الصالحة والحاضنة له، لمُواكبة الثورة التقنية في هذه الحقبة الزمنية، فلا عودة بالكلية للنظام التعليمي التقليدي.
يتمثل الدرس الخامس المُستفاد في النظام الاجتماعي. وضعتنا الجائحة أمام نظام اجتماعي مُختلف غير مسبوق، من حيث التباعد الاجتماعي والبقاء في وضع أسري لمدة أشهر، وتغيير الوجه الاجتماعي المعهود من قبل، وتحور بعض العادات والتقاليد والأعراف وتغير الحراك الاجتماعي بالكلية. كان الاعتقاد أنه أمر محال، ولكن الجائحة صنعت واقعا اجتماعيا مُختلفا، دعمت قوة ومتانة الكيان الأسري «النووي» والميكرو-اجتماعي، والذي يعود بصحة شمولية على أفراد الأسرة والمُجتمع الصغير، والذي لربما فقد دوره لما قبل الجائحة، وفي الوقت ذاته ضعف أثر هدير الماكرو-اجتماعي، والذي أثقل كاهل الفرد والأسرة. المطلوب هنا الاستمرارية في هذا النسق الاجتماعي المُكتسب «الميكرو-اجتماعي» وتقليل دور «الماكرو-اجتماعي»، وتنمية دورة الأسرة وتعزيزه، واكتساب المهارات الاجتماعية المُستجدة لحياة اجتماعية ذات معنى.
يتعلق الدرس السادس المُستقى في النظام الأمني الفردي والأسري والمُجتمعي والمُؤسساتي والمسؤولية الاجتماعية، بفضل من الله لم يتعرض مُجتمعنا لأزمات شديدة سواء طبيعية أو مُصطنعة. أتت هذه الجائحة لتبرهن أن هناك فردا مسؤولا وأسرة ذات مسؤولية، ومُجتمعا واعيا ومسؤولا، ونظاما أمنيا مُنضبطا قويا وفعالا، همه سلامة الجميع واستتباب الأمن في كل مكان من هذا البلد العظيم. تقلد الجميع المسؤولية الاجتماعية على جميع الأصعدة ذات العلاقة، خاصة ما يتعلق منها بالصحة والتباعد والأمن الاجتماعي، والانصياع للتعليمات والتوجيهات من صناع القرار، هناك حاجة لاستمرار هذا النسق الأمني-الاجتماعي السليم الذي أفرزته الجائحة.
لعل الدرس الأخير المُستقى يتمثل في المُحافظة على التنمية المُستدامة في بعدها الفردي الذي هو مسؤولية الفرد، والمُؤسساتي الذي ترعاه الدولة بكل اقتدار، والتي سوف تُساهم الجائحة لا شك في تغيير وجهها وواقعها للمزيد من التجديد والتطوير والتغيير والتبديل، وصناعة الأولويات وإدارة الأزمات وإعداد الخطط واختبارها، وتنمية وتعزيز ما من شأنه المُحافظة عليها، وإعداد البرامج الوقائية والتدخل المُبكر، مع التركيز على دور الإدارة الفردية والأسرية في صناعة تنمية مُستدامة، تتزامن مع ما توليه الدولة رعاها الله في التنمية المُستدامة المُؤسساتية. للحديث بقية عن الدروس المُستقاة النوعية والخاصة.