رغم أن مُسبب جائحة كورونا المُستجد حيويا صرفا «فيروس»، ويستهدف الجهاز التنفسي بداية، ومن ثم يمتد أثره ليشمل أجهزة الجسم الأخرى، ليصل الأمر بقدرة الله للتعافي، أو حدوث ربما عواقب صحية شبه دائمة أو مُستمرة «Irreversible» أو الوفاة، باشرت الجهات الصحية التدخلات العلاجية لمن أُصيب بالتزامن مع الاحترازات الوقائية، والتي أوصلتنا في وقت مضى إلى الإغلاق التام لعدة أشهر.

صاحب ذلك كله أزمات نفسية حادة، تمثلت في القلق والوساوس القهرية والهلع والكآبة وسوء جودة الحياة. يُضاف لذلك أبعاد اقتصادية وتنموية واجتماعية، الجميع جعلنا في أزمة مُعقدة مُتعددة الجوانب، بذلت الدولة رعاها الله بقيادتها الرشيدة جهودا جبارة على المُستويات الصحية والتنموية والاجتماعية والتعليمية والأمنية، ليُقال بكل فخر إننا الأقل تأثرا عالميا بحسابات معدل الوفيات «Mortality» وانتشار المرض «Morbidity» والتعافي والاقتصاد والتنمية.

كما هي السنن الإلهية الكونية، لا داء بلا دواء ولا مُشكلة بلا حل ولا مُعضلة بلا انفراج. بدت بوادر الخروج من الأزمة بفضل الله ثم بجهود العلماء بوجود لقاحات تقي من الإصابة بالفيروس الغازي الثقيل. كانت السعودية العظمى من أوائل الدول التي سعت لجلب اللقاح ووفرته مجانا للجميع دون استثناء، المُواطن والمُقيم على حد سواء، انتشرت الشائعات هنا وهناك حول اللقاح وتم «تسييسه» من جهة، ومن جهة أخرى سُيجت حوله العديد من الآثار الصحية الجانبية المُتعددة، والتي ساهمت في امتناع الكثير عن أخذ اللقاح والبعض يترقب، مُترددا في صراع دائم، ما بين أخذه وتركه، ومنهم من قال سألتزم الحياد حتى تأخذه الأغلبية لتقل نسبة خطر الانتشار والإصابة وهنا ظفرت بترك اللقاح وفزت بالسلامة منه، ومنهم من هو رافض البتة لأخذه. هذا التباين ليس محليا ولا إقليميا فحسب وإنما عالمي، ما استدعى أرثير إفانس «Arthur Evans» المدير العام التنفيذي «CEO» للجمعية النفسية الأمريكية لتقديم شهادة ووثيقة للجهات الصحية الأمريكية حول الجوانب النفسية المُصاحبة للتحصين ضد فيروس كورونا وكيفية التعاطي معه، لربما عزز ذلك كله ظهور طفرات جينية على الفيروس غير من حلته بسلالات جديدة، من الاعتقاد أن اللقاح غير صالح للسلالات الجديدة أو إصابة من أخذ اللقاح بعد جرعته الأولى أو قبل تكوين الأجسام المضادة الكافية بجرعته الثانية بالمرض، وهي على العموم حالات فردية لا يُنظر لها إما بسبب آلية فعالية اللقاح وسيره الزمني، أو بمُعطيات الإحصائيات الحيوية أو كليهما.

بالعودة لعلم السلوك، هناك «تناسب عكسي» ما بين من يرفض اللقاح وفي الوقت ذاته تحل الطمأنينة في نفسه بعدم الإصابة، ليصول ويجول يمنة ويسرى وكما يشاء، ليقود ذلك كله لعدم التزام بالقواعد السلوكية للوقاية من تباعد اجتماعي وغسل لليدين واستخدام للكمام، النتيجة تزايد عدد الإصابات في ضوء مُستجدات السلالات الجديدة للفيروس، وما يحصل في دول العالم من حولنا وتأخر وصول المزيد من جرعات اللقاح والذي قاد صُناع القرار إلى إغلاق مناشط حياتية واجتماعية معينة ولمدة محدودة، الهدف منها الإقلال قدر الإمكان من انتشار الفيروس كاحتراز وقائي، ولربما «كلقاح اجتماعي» لتنشيط المناعة الاجتماعية بإفراز المزيد من الوقاية السلوكية والمُجتمعية، كالتباعد الاجتماعي وغسيل اليدين وارتداء الكمام والتي يبدو أنها في انخفاض مع عامل الوقت والتعايش.

الحاجة ماسة لتصحيح المفاهيم الخاطئة حول لقاح فيروس كورونا وأهميته، بتوعية سلوكية/‏صحية منهجية شاملة، والتحكم في مصادر نشر الإشاعات حول اللقاح، خاصة ما يبث في قنوات التواصل الاجتماعي والتي وللأسف أصبحت مصدر المعلومة الرئيس للعامة، ومن ثم إلزام الجميع بأخذ اللقاح، وربط ذلك بمناشط الحياة فلا تمارس إلا لمن كان محصنا باللقاح، ومن يرفض حينها فعليه البقاء معزولا في صومعته حتى يرحل هذه الضيف الثقيل بالكلية. وفي الوقت ذاته علينا جميعا الاستمرارية في الالتزام المطلق بالسلوك المسؤول، من خلال اتباع قواعد السلامة السلوكية، والتي تكلفنا القليل وتحقق لنا الكثير، والتي تتمثل في المزيد من التباعد الاجتماعي وتقليل المناشط الاجتماعية وارتداء الكمام باستمرار خارج البيت وغسل اليدين بين الفينة والأخرى، والالتزام بما يمليه علينا تطبيق «توكلنا» من قراءة للواقع المُعاش لنا ولمن حولنا. لنكن مسؤولين أمام هذه الظاهرة الصحية المرضية والتي سوف تنقشع بحول الله بتعاون الجميع. لا نُريد المزيد من الخسائر والنتائج الكارثية المُصاحبة لهذه الجائحة، فما زالت سحابة الإغلاق التام الحالكة الماضية في أذهاننا، وما زلنا ندفع فاتورة تلك السحابة على المُستويات كافة، ولعل بند «النفسية» في تلك الفاتورة أسوأ مما سواه. نسأل الله تفريج الأزمة عاجلا، وأن يُلبسنا جميعا رداء العافية ووشاح الصحة، وحمانا جميعا من هذا الفيروس وتداعياته، لتعود حياتنا في القريب العاجل لسابق عهدها الزاهر الميمون.