الصين والولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية من أعظم دول العالم في جميع مجالات الاقتصاد، الصناعي منه والزراعي والمعماري والمصرفي والتجاري والسياحي، وإذا رجعنا إلى مواعيد إغلاق المحال التجارية فيها وجدناها تغلق بين الـ6 والـ8 مساء سوى بعض المطاعم والأسواق المركزية وبعض المحال ذوات الخصوصية، بينما تختص إسبانيا بكون المحال فيها تغلق وقت القيلولة ساعتين كعرف اجتماعي يختصون به من بين دول أوروبا، أي أن هناك من 6 إلى 8 ساعات عمل لمصلحتنا في المملكة العربية السعودية، حيث تغلق المحال التجارية بعد الـ12 ليلا، الأمر الذي ربما تكون السعودية متفردة فيه بين دول الـ20، وهو أحد مظاهر ما تنعم فيه من أمن وقدرة استهلاكية - الحمد لله رب العالمين.

لدينا ما معدله ساعة وربع الساعة تغلق فيه المحال التجارية أبوابها لأداء الصلوات، تعظيما لشعائر الله تعالى، وعملا بقوله تعالى ﴿ذلِكَ وَمَن يُعَظِّم شَعائِرَ اللَّهِ فَإِنَّها مِن تَقوَى القُلوبِ﴾، ليتمكن فيها العامل والمستهلك من أداء الركن الأعظم في الإسلام بعد الشهادتين، والذي هو أعظم شعائر المسلمين وعلامتهم العظمى، وهذا من محاسن دولتنا المباركة التي قامت على تعظيم الشعائر الدينية والدعوة إليها، فكان هذا الأمر، الذي يلاحظه القاصي والداني في أسواقنا ومساجدنا، سمة مميزة لنا دولة وشعبا.

ولم يعق هذا الأمر بلادنا عن الإنتاج ولا عن الاستهلاك، فبلادنا بلغت في الإنتاج الصناعي والزراعي والحراك التجاري الدولي والمحلي درجات عليا يعلمها الجميع. كما أن المستهلك السعودي لكل المنتجات المحلية والمستوردة من أقوى المستهلكين في العالم على مستوى الأفراد والمؤسسات، وفي مختلف أنواع الاستهلاك الضروري والحاجي والترفيهي.

ولا نعرف طيلة زمن هذه الدولة الطيبة أحدا تضررت تجارته، ولا صانعا توقف مصنعه، ولا مستهلكا ضعف استهلاكه بسبب الإغلاق لأوقات الصلاة، بل التجارة والصناعة والنمو المالي والاستهلاكي كلها في تصاعد مستمر منذ أن قامت هذه الدولة وحتى يومنا هذا، وسوف تظل كذلك بإذن الله تعالى.

ومن ثروات بلادنا المكنونة هذه الرؤية العظيمة، رؤية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، التي ستبلغ بها المملكة شأنا لم تبلغه في كل تاريخها الطويل، بل لم تبلغه دولة من دول الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وكل ذلك لن يكلفنا أبدا - بتوفيق الله تعالى - التنازل عن شىء من مقتضيات عمقنا الثقافي والديني وعراقتنا التاريخية والقيمية.

وأشد العجب ممن يحاولون الإساءة لرؤية المملكة الشاملة، التي أطلقها سمو ولي العهد، بتصويرها تتعارض مع إظهار شعيرة صلاة الجماعة بحجة أن إيقاف المتاجر في أوقات الصلاة لمدة لا تتجاوز ساعة وربع الساعة من مجموع 18 ساعة تعمل فيها المحال والأسواق سيوقف الحياة ويعطل الاقتصاد ويهدد الرؤية الاقتصادية السلمانية. إن ترديد مثل هذا الكلام ونحن بين يدي هذه الرؤية الناضجة لا أصفه إلا أنه ينضم إلى حشد الدعاية الخارجية التي تواجه السعودية وطموحاتها بالتشويه، والسعي إلى استفزاز الداخل والخارج ضد بلادنا، وذلك بإشاعة مزاعم أن طموحات المملكة ورؤيتها تتعارض مع أصالتها وثوابتها وقيمها الموروثة.

إن المؤثر الأعظم في تقليص إنتاجية العاملين وإضعاف النشاط التجاري ليس توقف المحال عن استقبال الزبائن ربع ساعة، يكون فيها البائع والمشتري على موعد وكتاب موقوت مع الله تعالى بصلاة الجماعة التي لا يجوز تركها حتى في حال الخوف والحرب ﴿وَإِذا كُنتَ فيهِم فَأَقَمتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلتَقُم طائِفَةٌ مِنهُم مَعَكَ وَليَأخُذوا أَسلِحَتَهُم﴾ إلى أن قال سبحانه ﴿فَإِذا قَضَيتُمُ الصَّلاةَ فَاذكُرُوا اللَّهَ قِيامًا وَقُعودًا وَعَلى جُنوبِكُم فَإِذَا اطمَأنَنتُم فَأَقيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَت عَلَى المُؤمِنينَ كِتابًا مَوقوتًا﴾، ليس هذا، وليس كذلك وضع الأنظمة من أجل إظهار وتمكين هذه الشعيرة هو ما سيعطل الاقتصاد ويوقف الرؤية الملكية، كما يتقول هؤلاء، بل الذي يضعف إنتاج العامل ويخمل الاقتصاد هو ضعف الروح الداعية للإنتاج لدى العامل، التي من أجلها يقول بعض الخبراء إن العامل إذا كان ممن يتعاطون التدخين، ولا تسمح له الأنظمة به في مكان عمله، فينبغي أن تتاح له الفرصة ليخرج من أجل تناوله، كي لا تتعثر إنتاجيته، فإذا كان هذا قولهم في الدخان، الذي ثبت ضرره على البدن والنفس، فكيف يمكن أن يقال إن تمكين العامل من الصلاة جماعة يضعف الإنتاجية مع ما فيها من إصلاح الروح والجسد، وفلاح الدنيا والآخرة. لما لا يقول هؤلاء المعترضون إن خروج الموظف والعامل للتدخين يضعف الإنتاجية، بينما يتجرأون ويقولون إن خروج العامل لصلاة الجماعة يضعف الإنتاجية؟!.

هؤلاء الذين يتكلمون باسم الاقتصاد، ليحاربوا إظهار شعائر الدين، على عظم دعاواهم ومطالباتهم إلا أن أحدهم لا يملك أن يقدم إحصائية علمية تقرر حجم المفقود الاقتصادي الذي تمنى به بلادنا جراء هذا التوقف للصلاة الذي يئنون منه حسب زعمهم.

بلادنا استطاعت، بفضل ربها عليها ثم بحكمة قيادتها، تجاوز مشكلات الحجر التام الذي حدث جراء «أزمة كورونا»، ثم يأتي هؤلاء ليقولوا إنها سوف تغرق نتيجة الخضوع لنداء «حي على الفلاح»، وهو نداء الخالق الرازق الذي له الفضل أولا وأخيرا.

نعم أعلم أن هناك مشكلات يسيرة قد يعانيها آحاد المستهلكين جراء الإغلاق للصلاة، كمن يضطر لملء السيارة بالوقود وهو في ظرف حرج يصعب عليه معه التوقف للصلاة، وكمن اضطر لشراء دواء من الصيدلية في حال حرجة، لكن مثل هذه الأحوال لا تعني مشكلة عامة على الاقتصاد. كما أن عدم إغلاق المتاجر للصلاة لا يعني انعدام هذه الحالات، ثم إنه من اليسير إيجاد حلول لها دون أن نكون في حاجة لإلغاء هذا الإغلاق.

أنا أرى النساء وهن في الأسواق ينتظرن عودة فتح المحال التجارية في المغرب والعشاء، وحل مشكلة أولئك النسوة باستحداث أمكنة مهيأة للانتظار فيها، أيسر أيضا من هذه المطالبة المصادمة لروح المجتمع، وأحد معاقد فخره ببلاده.

وما تقدم، وإن كان الحوار فيه مع بعض من يدعون إلى فتح المحال التجارية في أثناء الصلاة، فإن أصل الموضوع أعم من ذلك، فهو يخاطب الكثيرين اليوم ممن يتصورون أن التقدم لا يمكن أن يكون عبر ذواتنا وطبائعنا وخصوصيتنا الدينية والجغرافية والعرقية، بل يزعمون أن ذلك لا يكون إلا بتغيير صورتنا إلى حد المسخ، لنكون نسخة مطبوعة من غيرنا، وليس كما طبعنا الله تعالى وأراد لنا.

إن الأمم المقلدة، مهما علت اقتصاديا أو ثقافيا، فإنها تبقى في حظيرة الأمم التي تقلدها، لا تستطيع الفكاك عنها ولا الاستقلال بذاتها، بل تبقى من حيث تعلم أو لا تعلم رهينة لها، تظهر بظهورها وتختفي باختفائها.

أحد أسرار قوتنا الاقتصادية اليوم، التي نستبشر بنمائها وتفوقها في القريب العاجل، استقلاليتنا الثقافية والحضارية، هذه الاستقلالية التي هي الضامن الأقوى لاستقلاليتنا الاقتصادية والصناعية والعسكرية، خاصة ونحن لا نستقل - ولله الحمد - على فكر منغلق أو عقائد خرافية، بل نستقل على فكر وعقيدة لا ترضى لنا أن نكون كعقارب الساعة التي يحركها محورها، بل تريدنا أن نكون محورا يتحرك على وفقه الكون بأسره.