ذكر الله في كتابه أن أهل النفاق ينحازون إلى أعداء الإسلام ويوالونهم من دون المؤمنين، يفعلون ذلك ابتغاء العزة عندهم، كما قال تعالى: «الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً»، ولو كانوا يعقلون لعلموا أن العزة لله جميعاً، فتطلب منه، سبحانه، لا من أعدائه الذين حكم وهو أحكم الحاكمين أنهم في الأذلين، كما قال تعالى «إن الذين يحادون الله ورسوله أولٰئك في الأذلين»، فالأمور كلها بيد الله، ونواصي العباد- مسلمهم وكافرهم- كلها بيد الله، فالعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، كما قال تعالى: «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولٰكن المنافقين لا يعلمون»، وقد تكفل الله بنصر أهل الإيمان كما قال تعالى «إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد»، وبين أنه يدافع عن أهل الإيمان كما قال تعالى: «إن الله يدافع عن الذين آمنوا»، وقد يمتحن الله عباده فيديل أعداء الإسلام عليهم، إدالة غير مستمرة، كما قال تعالى «ولو شاء الله لسلطهم عليكم»، ولكن العاقبة الطيبة للمؤمنين .

واليوم نرى- مع الأسف- أفراداً من المسلمين من بني جلدتنا ومن بلادنا، انحازوا إلى الكفار يبتغون عندهم العزة ضد بلادهم السعودية التي والله لا أعلم لها نظيراً في العصر الحاضر من جهة نصرة التوحيد، وخدمة الإسلام والمسلمين، فيا سبحان الله كيف يشابهون أهل النفاق الذين حذرنا الله من مسلكهم، كيف يتخذون أعداء الإسلام أولياء من دون المؤمنين، كيف يكونون أدوات لأعداء الإسلام ضد بلادنا وقادتنا ومجتمعنا المؤمن؟

لقد كانوا مع الأسف أبواقاً لأعداء الإسلام في مهاجمة بلادنا، تارة باسم الحقوق، وتارة باسم الدين، وتارة باسم الإصلاح، وهم بفعلهم هذا أبعد الناس عن الدين والحقوق والإصلاح، وقد قال تعالى «وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون* ألا إنهم هم المفسدون ولٰكن لا يشعرون»، لقد زين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل، وصدق ربنا القائل: «ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور».

إن العقيدة والعقل والمروءة والرجولة تأبى أن ينحاز المسلم إلى بلد الكفار ومجتمعهم ضد بلده المسلم، ولا يعرف في التاريخ صحابي أو تابعي بل ولا أحد من أهل الإسلام، أنه ترك بلاده المسلمة ومجتمعه المسلم، وانحاز إلى أعداء الإسلام، ليتخذهم أولياء وأنصارا ضد بلاد الإسلام ومجتمع المسلمين، هذا لم يقع أبدا، بل الذي وقع أن أحدهم وهو كعب بن مالك، رضي الله عنه، أحرق خطاب الكفار لما دعوه إليهم قائلين له «علمنا أن صاحبك قد جفاك فالحق بنا نواسك»، بينما حصل الانحياز إلى أعداء الإسلام في هذا الزمان مع الأسف من بعض أفراد المسلمين ، فنسأل الله أن يهديهم إلى الحق، ليعودوا إلى بلادهم المسلمة، ولا يكونوا عونا لأعداء الإسلام ضد المسلمين وبلادهم ومجتمعهم، فإن ذلك مخالف لعقيدة أهل السنة والجماعة.

وأما ما تفعله أي دولة مسلمة من التعامل مع الكفار لمصلحة الإسلام والمسلمين فذلك مشروع، ولا علاقة له بالولاء والبراء، ففي الحديث الصحيح قال النبي عليه الصلاة والسلام: «ستصالحون الروم- أي: النصارى- صلحاً آمناً، فتغزون أنتم وهم عدوا من ورائهم فتسلمون وتغنمون»، فتحالف الدولة الإسلامية مع الدولة الكافرة إذا كان لمصلحة الإسلام والمسلمين جائز كما ترى في هذا الحديث.

وقبل أن أنهي هذا المقال :

أنبه إلى أمر لاحظته وقد يكون غيرى لاحظه، وهو أن قوما من الحزبيين الإخوان والسروريين، انتقلوا من حزبيتهم السابقة وهي المزايدة على الناس في دينهم، إلى حزبية أخرى وهي مناكفة جملة من أحكام الشريعة، يظنون أنهم لا يبرزون ولا يكون لهم مكانة ولا تصدر وظهور ولا عزة إلا بالتطاول على الشريعة، واتباع الشذوذات والغرائب.

وهذا من جهلهم وسفههم، ولو كان لهم قلوب يعقلون بها، لعلموا أن مناكفتهم أحكام الشريعة وحبهم طيران السمعة في الآفاق على حساب العقيدة، وابتغاءهم العزة من أهل الأهواء، سبب لمقتهم وسقوطهم، فإن ما كان لله يبقى، وما كان لغيره فهو زبد يذهب جفاء ويفنى.