يعتبر أدب الأطفال مهما لأنه يوفر للأطفال فرصا للتعرف على الأدب، ويمنحهم أيضا تقديرا لتراثهم الثقافي، وكذلك تراث الآخرين، كما يساعدهم على تطوير الذكاء العاطفي والإبداع لديهم، لأنه يغذي روح الطفل وينمي شخصيته ومهاراته الاجتماعية، ولا ننسى أن الأدب بأنواعه ينقل المواضيع الهامة من جيل إلى جيل.

حين نتعامل مع الأطفال، خاصة في المراحل الأولى من دخولهم عالم الصورة والكلمة، نحرص دائما على غرس القيم من خلال القدوة أولا والتي يجسدها سلوك المربي، وثانيا من خلال أخذهم في رحلات داخل عالم العظماء الذين خلدهم التاريخ، وأولهم رسولنا الكريم، عليه أفضل الصلاة والسلام، فمن رجل ولدت أمة، ومكتبة الأطفال ـ ولله الحمد ـ ثرية بكتب متنوعة في السيرة العطرة للرسول الكريم والأنبياء عليهم السلام والصحابة، ولكن ما يفتقده أطفال الوطن كثير من الكتب في سير العظماء من تاريخ بلادهم!

عندما كنت أزور المكتبات في الخارج دائما أمر على قسم كتب الأطفال، وأجد كتبا في كل مجال من الأدب إلى العلوم إلى التنمية إلى سير العظماء، وفي المجال الأخير كانت الكتب غزيرة، خاصة فيما يخص تاريخ بلادهم؛ فمثلا عن سيرة جورج واشنطن كنت أجد مئات الكتب لمراحل متعددة من حياته، وضعت في قوالب مختلفة بحيث تشد الطفل للقراءة والتعرف إليه من خلال الدخول إلى عالمه.

لماذا السير الذاتية مهمة للأطفال؟ لأنها تسمح لهم بالوقوف على أكتاف العمالقة، فلكل حياة بداية ونهاية، وحينما يكون الإنسان عظيما تكون الطريقة التي عاش بها هذا الشخص حياته ذات أهمية كبيرة لأولئك الذين ما زالوا في البداية، خاصة الأطفال، حيث يبدأ غرس حب الوطن في وجدانهم منذ الصغر، وهذا بحد ذاته يمنحهم شعورا بالانتماء لمجتمعهم، وحين نمنح الأطفال فرصة للوقوف على كتف عملاق من تاريخهم نكون قد أعطيناهم الفرصة لا لكي يتعرفوا على الماضي فقط، بل أيضا لكي يروا المستقبل كما كان يراه لهم.

بلادنا ولدت من رجل عظيم، الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، وبعناية من الله أصبح مؤسس المملكة العربية السعودية، وبالتالي كان له الأثر الكبير في زمنه وزمن كل من أتى ومن سيأتي بعده من أبناء الوطن، ولهذا يجب أن نعمل على إتاحة الفرصة لكل طفل سعودي من أجل قراءة سيرته الذاتية، نعم المكتبات تعج بالكتب عن سيرته، والعديد منها كتب في فترات مختلفة من تاريخنا، لكن القليل جدا الكتب المخصصة للأطفال!

لقد عاش مؤسس هذه البلاد منذ وقت طويل، ويواجه الأطفال أحيانًا صعوبة في التواصل معه وجدانيا أو فهم سبب وصف الكبار له دائمًا بـ«الرجل العظيم»، لكن كتب الأطفال يمكن أن تساعد في إضفاء الطابع الشخصي على حياته، سماته وصفاته وطباعه وأقواله من خلال أحداث حياته وبطرق سهلة وممتعة للأطفال، فالقصص الحقيقية أكثر إلهاما من الخيال، لأنها تتحدث عن أناس حقيقيين قاموا بأفعال حقيقية كان لها تأثير كبير في حياة الناس. مثلا يمكن أن تلهم قصة واقعية لشخصية عظيمة، تتسم بالشجاعة في التغلب على التحديات، الأطفالَ لمواجهة عقباتهم الخاصة بالأمل والتصميم، ويمكن أيضا أن تثير الرغبة لديهم في جعل العالم مكانا أفضل، والأهم من ذلك كله أن السير الذاتية تثبت لهم أن شخصا واحدا يمكن أن يحدث فرقا، وأن الخطوات الصغيرة يمكن أن تؤدي إلى أشياء كبيرة، وأن تقدم دروسا من الحياة رائعة مليئة بالحركة والمغامرة والتضحيات، إن الاطلاع على ما أنجزه الآخرون على الرغم من ظروفهم يشجع الأطفال على الحلم، ويمنحهم الأمل في أنهم قادرون أيضا على مواجهة التحديات التي قد تعترض طريقهم، إنها تدفعهم إلى التفكير خارج أنفسهم والحياة التي يعيشونها، وتلهمهم دروسا في تجارب خالدة، فإن أردنا لأطفالنا التميز في حياتهم الخاصة فلا يوجد مكان أفضل للعثور على الإلهام من حياة أولئك الذين غيروا عالمنا وغيروا حياتنا إلى الأفضل، فكيف بسيرة ملك عظيم؟!

السير تجعل التاريخ ينبض بالحياة أمام أعين الأطفال، فمجموعة من الأسماء والتواريخ لن تشد انتباه أي طفل لفترة طويلة، قد يحفظها ثم يردها إلى ورقة الاختبار، لكنها لم تُحفر في وجدانه لتترك ذاك الأثر الذي سيثري حياته، ولكن التعرف من خلال عدسة مكبرة على تاريخ حياة شخصية معينة وإنجازاتها يمكن أن يساعد الأطفال على معرفة أهميتها، وبلحظة تتحول الأحداث الرئيسية إلى لحظات حقيقية تؤثر في الأطفال وهم يمرون بها ويعيشونها وجدانيا، بدلا من الحقائق الفارغة من المشاعر، وهذا ما شعرت أنه يمكن أن يحدث حين شاهدت مقطعا على يوتيوب لقصة مرئية بعنوان «قصة وطن» للدكتورة منيرة العكاس المربية الفاضلة ذات التاريخ العريض في مجال التربية والتعليم. أخذت على عاتقها إخراج عمل يصل إلى الأطفال ويخاطب وجدانهم. لم تكتفِ بالصور والكلمات، بل أضافت صوتها الدافئ وهي تروي لهم أحداثا من حياة الملك عبدالعزيز، وكأنها تجلس بينهم وتحدثهم. كم أعجبتني الفكرة ورجعت إلى الإنترنت لأبحث عن الكتاب أو كتب مماثلة فلم أجد! حقا لقد استغربت كيف أن مجالا مهمًّا كهذا يُترك دون أن يستثمر في بناء أبناء الوطن، لا أدري قد يكون بحثي ناقصا وهذه النوعية من الكتب قيد النشر أو أنها لم تجد الدعم حتى تخرج إلى السوق، ولهذا لم تظهر لي خلال عملية البحث على الإنترنت. المهم هنا إن وجدت يجب الاهتمام بها ودعمها فهي كنز كبير يجب أن يستغل لما له من الأثر الكبير في حياة أطفالنا.