معظم قاطني هذا الكوكب لم يصلوا أو يحققوا ما يريدون، ليس لأنهم لم يحاولوا بل لأن ظرفا ما منعهم، أو جدارا ما وقف سدا منيعا بينهم وبين أمنياتهم، لكن هل يعني ذلك الاستسلام؟ قطعا لا. إذن ماذا بقي للإنسان؟ لم يبق إلا الحلم فيحلم أو الوهم فيتوهم، وهذا ليس جنونا بل تعزية للنفس.

في إحدى حكايات إدواردو غاليانو، كان هناك رجل يمضي معظم وقته وحيدا، وبسبب ذلك سرت شائعات بأنه يخبئ كنزا في منزله، وفي أحد الأيام اقتحم لصوص منزله وفتشوه، فعثروا في القبو على خزنة صغيرة، خرجوا بها إلى مقرهم، وعندما تمكنوا من فتحها، بعد عناء، وجدوها مليئة برسائل الحب التي كان الرجل العجوز يتلقاها طيلة عمره.

غضب اللصوص وقرروا إحراق تلك الرسائل، لكن بعد نقاش سريع فيما بينهم قرروا إعادة الرسائل إليه، لكن ليس دفعة واحدة، وإنما واحدة بعد الأخرى، ومنذ ذلك الوقت يقف الرجل، ظهر كل اثنين، عند باب منزله في انتظار ساعي البريد، وما إن يلمحه من بعيد حتى يركض نحوه، فيرفع هذا الرسالة ملوحا بها ثم يسلمها له، معربا عن إعجابه بالعاشق الذي لا تنتهي الرسائل الواردة إليه.

ذلك كان الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين ساعي البريد واللصوص، لكن مع الوقت صدق الجميع «الكذبة اللطيفة»، وشعر اللصوص براحة البال، لأنهم عادوا عن سرقتهم، وشعر الساعي بالسرور بسبب عمل دائم، وصدق الرجل العجوز أن النساء لا يزلن يكتبن إليه رسائل العشق، فعاد إليه شيء من وهم الشباب.

في الأوقات والأزمات، وعندما لا تكون بيدك حيلة، تظاهر بأن الأمور على ما يرام، وستغدو كذلك ولو بعد حين.