مورس أكل لحوم البشر عبر التاريخ في عدة مواضع وحالات، منها خلال المجاعات، وفي المحاصرات، ومن بعض القبائل البدائية، وكنوع من المبالغة في إيذاء الأعداء والتمثيل بهم، والاعتقاد أن أكل لحوم الأعداء ينقل بعض قدراتهم، وأحيانا يكون طقسا دينيا، وقد يكون مرضا سلوكيا - نسأل الله العافية. أيضا قد يكون أكل لحوم البشر نوعا من التكريم للميت مثلما تفعل بعض القبائل في نيوزيلندا، التي تمجد ذكرى الميت بأن تأكل مخه، فبعد أن يموت شخص له مكانة عندهم تجتمع القبيلة حول جثته، وينشدون بعض الأناشيد الدينية، ثم يستخرجون مخ الميت ويوزعونه بالتساوي بين المشيعين، ليأكلوا منه.
خلال الحرب العالمية الثانية تواترت الأخبار عن أكل الجنود اليابانيين لحوم بعضهم وأكل لحوم أعدائهم، وذلك بعد محاصرتهم من قبل الأمريكيين، وقطع المؤونة عنهم في إحدى الجزر. أكل لحوم البشر سلوك مقزز لا تقبله النفس، وتشمئز من مجرد ذكره، ولو نطلق هذه الكلمة على شخص ما لثار واستشاط غضبا بل يقيم الدنيا ولا يقعدها، ويأخذ منا موقفا يسجله ويؤكده في تاريخه وسيرة حياته بمداد من لوم، وأوراق من سياط انتقادات لاذعة ومرة، يورثها لعائلته وقبيلته. لا يعلم المسكين أنه قد يكون واحدا ممن يمارسون هذا السلوك المشين (أكل لحوم البشر) وهو لا يدري، بل يأكل لحوما منتنة ذات روائح كريهة لأجساد أناس موتى منذ زمن تعفنت أجسادهم، ومشى الدود فيها. يا لها من وجبة قذرة يتجرعها ولا يكاد يستسيغها، ومن كل مكان تأتيه الذنوب والآثام!.
إنها الغيبة وما أدراك ما الغيبة، وهي ذكرك أخاك بما يكره في غيبته، وقد ذمها الله - سبحانه وتعالى - ونفر منها، ووصفها بأقبح وأبشع صورة حين شبهها بأكل لحم إنسان ميت، فمن أغتاب أخاه فقد انضم بإرادته إلى فئة آكلي لحوم البشر، شاء من شاء وأبى من أبى. قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ».