يصحو أحدنا من نومه، فيتصفح خلال دقائق معدودة عشرات القروبات والرسائل المكتوبة والمسموعة والمرئية.

هذه رسالة فرح وتلك مليئة بالحزن وأخرى تحمل نصيحة ووعظا، ومنها ما يقدم لك معلومة تقليدية أو غريبة، ومنها ما يأتي بالأخبار العاجلة صحيحة كانت أو خاطئة، ومنها ما يُطلب منك إرسالها إلى عشرة أشخاص فإن لم تفعل فسيأتي ديناصور ويعضك!

ناهيكم عن رسائل الأصدقاء الشخصية، فمنهم من يصبّح عليك بالدعوات والأمنيات والورد وصور فنجانين القهوة (ولست أدري ما أفعل بصورة فنجان قهوة غير التشهي والتحسر)، ومنهم (كوجه البوم) لا يرسل لك إلا الأخبار السيئة، ومنهم من يرسل لك (السلام عليكم) ويسكت فلا تعلم ما سيأتي بعدها، أطلبٌ لخدمة أم دعوة لطعام العشاء!

خلال دقيقة تعزي أحدهم وترسل ضحكة لنكتة آخر وترد على طلب ثالث وتعقب على كلام رابع، وهكذا.. ناهيكم عن المشاعر السلبية والإيجابية التي تتسلل من تلك الرسائل دون أن تشعر، فتمتزج مشاعرك بتناقضاتها خلال مدة قصيرة جدا.

فإذا أردت أن (تصحصح) وتشتري قهوة مثلا كانت أمامك عشرات الخيارات.. وإذا طلبت إحداها لم يعد ينحصر السؤال أتريدها بسكر أم دون، بل يسألونك عدة أسئلة عن الإضافات التي ترغب بها وكأنك ستشارك في صنع قهوة جديدة، وإن كنت أجزم أن الكثير يختار من تلك الإضافات دون أن يدري ما هي!

تدخل للبيت فتجد كرتونة فارغة لا فائدة من وجودها تستقبلك، أو حذاء لم يتزحزح من مكانه منذ سنة، أو زجاجة عطر انتهت، ولكنك مصر على الاحتفاظ بها.

وتبحث عن معلومة عبر النت فتجد مئات المواقع تتحدث عنها، ذلك يثبت والآخر ينفي والثالث يزيدك حيرة وهكذا.

في تويتر عشرات (الهاشتاقات) تتنوع بين السياسي والرياضي والفني والاجتماعي والفضائحي و(هواش) فلانة وعلانة.

أما في السناب فترى تلك التي تحتسي القهوة أو ذلك الذي يلقي حكمة أو (يتميلح) أو التي تستعرض (خصوصياتها).

كل شيء صار متنوعا ومتشعبا: الكتب، وسائل الترفيه، الصحف، منصات التواصل، الأفلام، الطعام، التقنية، الأمزجة والطبائع، المؤثرات والظروف، الأفكار والأهواء.

في الدين كثرت الفتاوى والمذاهب والآراء رغم أن (الحلال بيّن والحرام بيّن)، وفي حالة رغبتك بالزواج مثلا، إذا أردت أن تخطب فإنك تحتار من تعدد صفات النساء ممن تراهن في الواقع أو على وسائل التواصل، مما يدخلك في مقارنات، فسابقا بالكاد ترى ابنة عمك أو ابنة الجيران وفي أحسن الأحوال زميلة الدراسة والعمل.

حتى همومك صارت متنوعة فلا تدري بأيها تفكر: الهم الاجتماعي أم الاقتصادي أم الصحي وغيرها.

ثم يقال لك: لماذا أنت مشتت؟ طبيعي أن يكون الإنسان مشتتا في هذا الزمان.

ما هو الحل إذا؟ هناك الكثير من الحلول المتنوعة التي ستزيدك بدورها تشتتا..إنما عليكم بالتخلي والتخفف، فالتشتت يأتي مع الكثرة، وإن الراحة في القلة والقدرة على الاستغناء.