في وقت خرجت فيه الخارجية الأمريكية بتقرير يفتقر للدقة والمصداقية ضد المملكة العربية السعودية وقيادتها وسيادتها حيال قضية جريمة مقتل المواطن جمال خاشقجي، وبنيت معلوماته على تكهنات واعتقادات لا تحمل أي أدلة قاطعة، أعاد هذا التقرير إلى الذاكرة عشرات التقارير التي أصدرتها الاستخبارات الأمريكية، خصوصًا في المنطقة العربية التي تحولت القرارات التي استندت إليها إلى كوارث ألحقت الدمار بالبشر والمكان، من أبرزها التقرير الذي أصدرته حول امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، الأمر الذي جعل أمريكا تغزو العراق في 2003، وتتسبب في تدمير العراق آنذاك.

تسييس القضية

كان رد الخارجية السعودية على هذه الاتهامات واضحًا، فقد رفضت حكومة المملكة ما ورد في التقرير من استنتاجات مسيئة وغير صحيحة عن قيادة المملكة، ولا يمكن قبولها بأي حال من الأحوال، كما أن التقرير تضمن جملة من المعلومات والاستنتاجات الأخرى غير الصحيحة.

ورغم أن المملكة قامت بكافة الإجراءات الخاصة بهذه القضية واستنكرتها؛ لأنها شكلت انتهاكًا صارخًا لقوانين المملكة وقيمها، ارتكبتها مجموعة تجاوزت كافة الأنظمة، وخالفت صلاحيات الأجهزة التي كانوا يعملون فيها، ورغم اتخاذ جميع الإجراءات القضائية اللازمة للتحقيق معهم وتقديمهم للعدالة، حيث صدرت بحقهم أحكام قضائية نهائية رحبت بها أسرة خاشقجي، إلا أن التقرير الأخير حاول تسييس القضية، وقدم اتهامات غير صحيحة لا تستند إلى دليل واحد.

وهو الأمر الذي عبرت عنه الخارجية الأمريكية بقولها: «إنه لمن المؤسف حقًا أن يصدر مثل هذا التقرير وما تضمنه من استنتاجات خاطئة وغير مبررة، في وقت أدانت فيه المملكة هذه الجريمة البشعة واتخذت قيادتها الخطوات اللازمة لضمان عدم تكرار مثل هذه الحادثة المؤسفة مستقبلا، كما ترفض المملكة أي أمر من شأنه المساس بقيادتها وسيادتها واستقلال قضائها».

تقارير مزيفة

كثيرًا ما ظهرت عبر التاريخ تقارير أمريكية صادرة عن الـ (CIA) تكون مزيفة، وذلك لأغراض وأهداف سياسية، والتاريخ يشهد على ذلك، بما في ذلك اعترافات الحكومة الأمريكية، من أبرزها شهادة نائب رئيس الاستخبارات الأمريكية «مايكل موريل» الذي قال فيها إن (CIA) أخطأت في غالبية أحكامها بشأن العراق وأسلحة الدمار الشامل، كما قدم «موريل» اعتذارًا إلى وزير الخارجية الأسبق «كولن باول» بسبب تقييمات ما قبل الحرب الخاطئة لوكالة الاستخبارات المركزية بشأن برامج الأسلحة في العراق، واتهم نائب الرئيس الأمريكي حينذاك «ديك تشيني» بالضغط على المحللين في وكالة الاستخبارات لإيجاد روابط لم تكن موجودة بين العراق وتنظيم «القاعدة»، بالإضافة إلى محاولة تسييس التقارير الاستخباراتية حول العراق.

ولطالما تحدث الكتاب الأمريكيون عن أخطاء وكالة الاستخبارات المركزية، ويقول الكاتب «جون دايموند» في مقال نشر في صحيفة «نيويورك تايمز»: إن المشكلة هي أن الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها وكالة الاستخبارات لا تمحى بسهولة من الذاكرة، بل تبقى عالقة في ذهنها حتى بعد مرور وقت على ارتكابها، محدثة آثارًا تتجاوز في مداها اللحظة الراهنة لتمتد تداعياتها إلى سنوات قادمة.

وأضاف: المحللون داخل «سي آي أيه» عادة ما يلجأون إلى وضع تقارير تبالغ في التركيز على بعض القضايا، تفاديًا للأخطاء السابقة، وتجنبًا لأي إحراج في المستقبل.‏

ثورات الربيع العربي

فشلت الاستخبارات الأمريكية في تقدير مدى قدرة تنظيم «القاعدة» على تحقيق استفادة ما من الاضطرابات السياسية التي خلفتها ثورات الربيع العربي في منطقة الشرق الأوسط، بل ذهبت إلى ما هو أبعد عندما تبنت تقييمًا متفائلًا مؤداه أن هذه الاضطرابات قد تسهم في القضاء على تنظيم «القاعدة».

وفي 2015، اعترف «موريل»، أيضا أن الاستخبارات أخطأت بتقييم نتائج الربيع العربي الذي شهدته عدة دول في الشرق الأوسط، ملقيًا الضوء على ما جرى في ليبيا ومصر.

فشل في التنبؤ بحرب 6 أكتوبر

تاريخيًا، أيضًا اعترفت الاستخبارات الأمريكية نفسها بعد حرب 6 أكتوبر 1973، بفشلها في الحصول على أي بيان رسمي من أي مكتب أو مسؤول ملتزم عن إنتاج معلومات استخباراتية تحليلية نهائية يمكن أن تكون قد ساهمت في التحذير من الحرب. وقالت: «لقد كان هناك فشل استخباراتي في الأسابيع التي سبقت اندلاع الحرب في الشرق الأوسط في 6 أكتوبر 1973؛ إذ كانت الاستنتاجات الرئيسية المتعلقة بقرب الأعمال العدائية التي توصل إليها وكررها المسؤولون عن التحليل الاستخباراتي خاطئة بشكل واضح وصارخ».

تقارير مضللة وفضائح للاستخبارات الأمريكية

1979: دخول القوات السوفيتية إلى أفغانستان أخذ إدارة الرئيس «جيمي كارتر» على حين غرة، واعتقدت وكالة المخابرات المركزية أن الاتحاد السوفييتي لن يجرؤ على اتخاذ مثل هذه الخطوة، وقد كانت مخطئة فيما يسمى بالفرقة المحدودة من القوات السوفيتية دخلت فغانستان وبقيت هناك لمدة 9 سنوات.

1998: استهداف مصنع للأدوية في السودان بعدما اعتقد أنه مخصص لإنتاج السلاح الكيماوي.

1999: الخطأ الاستخباراتي الذي وتر العلاقات مع الصين عندما أطلقت أمريكا قنبلة موجهة بالأقمار الاصطناعية على السفارة الصينية في بلجراد، مستعملة خارطة قديمة للعاصمة الصربية.

2008: أقرت لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي في سابقة هي الأولى من نوعها تقريرًا مكتوبًا يوجه اللوم بشكل مباشر إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش وإدارته بتهمة إساءة استخدام المعلومات الاستخباراتية لتبرير حرب العراق.

2013: كشف العميل بوكالة الأمن القومي بالولايات المتحدة الأمريكية (NSA)، إدوارد سنودن مستندات سرية للتجسس عرفت ببرنامج «بريزم»، وهو برنامج يتيح للحكومة الأمريكية التجسس على المعلومات الخاصة من حيث رسائل البريد الإلكترونية، ورسائل وسائل التواصل الاجتماعي وكافة المحادثات الصوتية والمصورة.

2014: أكد الكونجرس أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قدمت معلومات غير دقيقة لتضليل الجمهور بشأن فعالية برنامج الاستجواب الخاص بها، والذين يعتمد على تعِذيب المتهمين بالإرهاب.