دائما ما نلاحظ اختلاف الصورة التي تلتقط للآخرين مع أنها بالكاميرا نفسها، وفي التوقيت نفسه، ولكن عين المصور هي التي تضع بصمتها على الصورة. المشهد نفسه، والخلفية نفسها، والأشخاص أنفسهم، بل والتقنية العالية للكاميرا، ولكن تظهر الصورة غاية في الروعة عند الأول وباهتة بلا روح عند الآخر، حتى أنه في بعض الأحيان تعرف من التقط هذه الصورة عندما يعرضها عليك أحد الأقارب أو الأصدقاء، فتقول بلا تردد فلان هو من صورها.

كذلك عند رسم أحد الفنانين لوحة، الكثير منا يتمكن من التعرف على من رسمها لأننا في كثير من الأحيان نرى ملامحه موجودة على وجوه أبطال لوحاته، ورؤيته لما يحيط به من صور وترجمتها ونقلها لنا.

كذلك المقطوعات الموسيقية يتعرف الكثير منا على صاحب النغمات من خلال إحساسه وشعوره بالعالم المحيط به، وترجمته لما يراه عبر نغماته. من الممكن أيضا أن يضفي عليها روح الشباب والمرح الموجودة داخله، وآخر يضفي عليها روح الشيخوخة والقدم. وتختلف أيضا الصور التي نلتقطها لمن نحب، أو يلتقطها لنا من يحبنا، عن الأشخاص العاديين بحياتنا.

أيضا رؤيتنا نحن لأحداث حياتنا اليومية، كل منا يراها بروحه هو، بشخصيته هو وبتفكيره. منا من يرى الآخرين عندما يلقون عليه التحية، أنهم ودودون، والثاني يراهم غير مهتمين، والثالث يراهم متكبرين وغيره يراهم بسطاء؟ منا من يرى كل من حوله طيبين متعاونين، ومنا من يراهم متحفزين كارهين.

الصفات الشخصية والرؤى التحليلية لكل منا تختلف باختلاف ما نشأنا عليه، وما تكون لدينا من خلفيات في مراحل الطفولة، والتي الآن تنعكس بصورة مباشرة على التقاطنا للصور المحيطة بنا، بل وترجمتها على النحو الذي يرضي شخصياتنا ويجعلها تتفاعل أو لا تندمج مع من حولها من بشر ومجتمع.

الاندماج وسط بيئات مختلفة يساهم بقدر كبير في تغيير نظرتنا للحياة وللصور المحيطة بنا، فعلى سبيل المثال، عندما يتفاعل الرجل الناضج مع من يصغرونه سنا في بيئة العمل، تراه يتصرف ببساطة وبروح شفافة وتملؤه طاقة الشباب والمرح، وتصبح لديه القدرة الكافية على الإنتاج والابتكار وتقديم واقتراح الجديد. أما إذا وضعنا هذا الرجل في بيئة مغلقة، وسط أناس بعقليات منغلقة وروح تسيطر عليها الشيخوخة حتى لو كانوا يماثلونه بالعمر، تراه جامد المشاعر، تنمو لديه روح اللا مبالاة بكل شيء، يتوقف إبداعه وإنتاجه الفكري وابتكاره للحلول، وبالتالي لو سألناه عما يرى في الصورة المحيطة به، أو نطلب منه نقلها، تنعكس ردوده على ما يصف من ملل ورتابة. كذلك الأصدقاء الذين يتمتعون بروح الدعابة والخفة في الحركة وكره الروتين، يغيرون لك نظرتك للعالم حولك، تشعر وأنت معهم بالدنيا تزهو بأحلى الألوان ولا تشعر أبدا بعمرك كبر أم صغر، وعندما تتركهم وتذهب لبيتك فإنك تنقل هذه الروح الجميلة لأولادك ولشريك حياتك.

إذا نظرنا داخل البيوت وحللنا العلاقات الأسرية، نجد الأزواج الذين يتمتعون بقسط عال من النشاط والمحافظة على مواعيد أعمالهم، وليست لديهم عقبات تؤثر في حياتهم المهنية، تقف وراءهم زوجات يبذلن جهوداً هائلة للمحافظة على نظرة أزواجهن الإيجابية للحياة، والعكس يحدث عندما تكون الزوجة غير ذلك، تنعكس كثرة المشاكل والمطالبات الهامة والتافهة على شخصية ونظرة الزوج للحياة من حوله، ويصبح ذا نظرة متشائمة وسلبية لكثير مما يقابل من مهام أو مواقف.

الرجل يستطيع بتصرفات معينة وبمعاملته أن يجعل نظرة زوجته للحياة قاتمة السواد أو وردية المعالم.

نظرة الإنسان للحياة تختلف باختلاف من حوله من ظروف وأشخاص، فمنهم من يستطيع أن يجعلك ترى ما حولك بألوان زاهية، ومنهم من يجعلك ترتدي نظارتك السوداء، وتظهر صورك باهتة يغلب عليها اللون الرمادي، وهذا ما يجعلني أفسر كلمة شائعة هذه الأيام عندما تجامل أحدا أو تثني على ملبسه أو مظهره أو حتى فعله، فيرد (عينك هي الجميلة).

الكثير منا يسخر من هذه الجملة ولكنها حقيقة، عندما ترى كل من حولك من البشر تملؤهم الطيبة، فاعلم أن قلبك بخير، أما عندما تخاف ممن حولك وترتاب وتبغض أكثر مما تحب، فاعلم أن قلبك بدأ يمرض.

عندما تكون طيبا ترى كل ما حولك طيبا، أما عندما تكون أسود القلب فجميع من حولك سيكونون كما تكون أنت.

علينا إصلاح قلوبنا قبل لوم الآخرين، من يملك أعين النحل يرى الحياة بستانا يشتم رحيقه متجددا كل يوم، ويرى الأماكن أغصاناً وكل من يقابل زهوراً.