في مقال بعنوان (سبب كاف لإلغاء نظام الكفالة) بهذه الزاوية في 22 نوفمبر 2020، أوردت قصة عامل يعيش حياة لا إنسانية من تشرد وتسول، نوم على أرصفة المساجد، وخوف من التنقل للمطالبة بحقوقه، بعد طرده من شركته التي تكفل 10 آلاف عامل. بعد 8 أشهر من عدم تسلمه لأي مبلغ من رواتبه، أبلغت عنه بالهروب، لتتخلص منه. تم الترافع عن هذا العامل من خلال التسوية الودية وهي خدمة تقدمها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية ممثلة بمكتب العمل، ومن ثم تم تحويلها آليا إلى المحكمة العمالية بوزارة العدل. كان كل شيء آليًّا، وخلال أقل من 21 يومًا، حددت الجلسة وتم تبليغ الشركة آليا بموعدها. من أول جلسة (عن بعد) وبكل سهولة (على العامل ووكيله الشرعي)، حكم القاضي بتعويض العامل بكامل رواتبه عن الـ 14 شهرًا التي أمضاها بلا رواتب بالإضافة إلى تذكرة سفر وتأشيرة خروج نهائي. الحكم نهائي وغير قابل للاستئناف، استنادًا لقرار المجلس الأعلى للقضاء فيما يخص القضايا اليسيرة. صدر صك إلكترونيا خلال دقيقة من النطق بالحكم، وهنا لم نعد نستشهد باليابان أو غيرها في مجال تطويع التقنية لخدمة الإنسان كما طوعتها هذه الوزارة.

بعد إحالة القضية لمحكمة التنفيذ التي قامت بالقوة الجبرية بتنفيذ الحكم عن طريق تطبيق المادتين 34 ثم بعدها المادة 46، في أقل من شهر حتى استلم العامل مستحقاته، وعند تنفيذ الحكم توقفت معاملته بإحدى الجهات الحكومية (التي ما زالت البيروقراطية والمركزية تملأ أركانها وللأسف)، وكان حل التسريع في إنهاء هذه النقطة، بالحصول على خطاب من محكمة التنفيذ، بإنهاء هذا الأمر من قبل تلك الجهة، والتي حاولت مرارًا وتكرارًا أن أقابل مديرها، وللأسف تعذر ولم يفدني حتى برقم تواصل ثابت للمكتب أستطيع الوصول له من خلاله، بدلا عن «المشاوير».

قررت الذهاب لمحكمة التنفيذ، للحصول على هذا الخطاب، وأثناء ذلك وعند طباعة شيك العامل من قبل المحكمة، فقد كانت هناك مشكلة تقنية في النظام الآلي على مستوى الوزارة، وفي طريقي وأنا أحدث نفسي قائلًا، إن كانت هذه الجهة الحكومية قد أخرتني لمدة أسبوع وأنا ما بين مكتب والآخر، فكيف سيكون حال المحكمة.

وبمجرد وصولي للمحكمة ولأنني قد حجزت موعدًا إلكترونيا عن طريق الموقع، وصلت خلال دقائق لمكتب الشيخ فهد وهو رئيس المحكمة هناك، وأبلغته بتفاصيل موضوعي، وأن كل يوم يمر على العامل، فيه مزيد من العناء والتشرد، وأن الحالة إنسانية فجاء رده ببساطة (ثق تماما أن كل حالة لدينا في محكمة التنفيذ نعاملها على أنها حالة إنسانية عاجلة)، ولأجل ذلك اتصلت بوكيل الوزارة لشؤون تقنية المعلومات، لإصلاح الخلل وفور إصلاحه، سأتصل بك.

ذهبت ولسان حالي يقول: هل من المعقول أن يفرغ رئيس محكمة «دماغه» ليتذكرني، وبعد أقل من 45 دقيقة من مغادرتي للمكتب إذا به يتصل ويبلغني أن (الشيك) جاهز، وأن الخطاب الذي حضرت لأجله بالأمس أرسل لتلك الجهة في نفس اليوم. خاطبني بلباقة وكلمات ملؤها جودة العمل وإتقانه قبل كل شيئ، وكأن المكالمة من مدير بنك يطمع بإكمال أرباحه، وليس من رئيس محكمة تمثل الجهة القضائية في المملكة، ولم يكن ذلك ولا هذه الخدمة اليسيرة المقدمة بأعلى درجات تقنية المعلومات، والرقي في التعامل، لولا خطوات بل قفزات وزير العدل منذ توليه مسؤولية الوزارة التي تعتبر من أهم السلطات في أي منظومة حول العالم وهي السلطة القضائية. كل يوم نسمع صياغة جديدة للقوانين والتشريعات بتوجيه مباشر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حتى أصبحت هذه الوزارة مثالا حيا للتغيير بل والتميز. وغادرت المكان ولسان حالي يقول متى ستكون (وزارة العدل نموذجا للبقية).