تمر أسواق النفط بحالة تذبذب كبير في الأسعار نتيجة لتداعيات متعددة سياسية واقتصادية. وفي حين أن «أوبك+» أنهت اجتماعاتها بقيادة سعودية لخفض طوعي لمدة شهر إضافي أسهم في ارتداد سريع لأسعار النفط لتصل إلى 68 دولارا للبرميل، إلا أن السوق لا يعطي مؤشرات حول إمكانية استدامة هذا الصعود من عدمه، ما يعني أن الضبابية تلف توجهات أسعار النفط وفرص اعتمادية الاقتصادات الدولية على سعر متفائل في ظل التوجهات الجديدة للقيادة الأمريكية للإفراج عن 6 مليارات دولار لصالح إيران ودعوتها للمفاوضات في القضية النووية واحتمالية رفع العقوبات وعودة ضخ النفط الإيراني للسوق بصورة رسمية، وأيضا عودة أمريكا إلى اتفاقية المناخ، وهو يعني فرض القيود على معامل النفط الأمريكي بشقيه التقليدي والصخري، وأيضا إعلان ليبيا هذا الأسبوع عن عودة إنتاجها لمليون برميل شهريا الشهر المقبل. كل هذا يأتي على الرغم من تحسن معظم اقتصادات دول الخليج العربي بسبب اعتمادها المسبق على أسعار متحفظة للنفط هذا العام وأيضا لكونها تنتج النفط بكلفة تنافسية عالية.

وباعتبار هذه الضبابية في موثوقية اعتمادية العالم على أسعار النفط، من المهم أن تكون الخطوات أسرع وأكثر استباقية لمن يريد الإمساك بزمام القيادة في أسواق الطاقة في المستقبل إلى عام 2050. وعليه تأتي الاستراتيجية السعودية الشاملة للطاقة لتأخذ المبادرة في قيادة الطاقة بمفهوم الخليط منخفض البصمة الكربونية الذي يعتمد في أبجدياته على خمس فلسفات فنية أساسية هي، الاقتصاد الدائري للكربون، وتوليد الهيدروجين من مصادر متجددة، وتوليد الكهرباء بالغاز، ولقط ثاني أكسيد الكربون من المعامل الكيميائية، وتحويل النفط الخام إلى كيميائيات.

إن فكرة اعتماد الاقتصاديات على أسعار النفط، يجب أن تصبح من الماضي، لكي نقود العالم في مجال الطاقة، ونعزز من مكانتنا الاقتصادية والعلمية، وبلا شك السياسية. فالسعوديون لديهم كل الوسائل التي بدأها ملوك السعودية منذ عقود مضت منذ تدشين المؤسس الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، أول شحنة نفطية قبل 83 سنة، حتى توسيع مصافي «أرامكو» وتأسيس «الجبيل وينبع» لاستثمار الغاز المصاحب وتوطين التقنيات الصناعية وتأهيل الأبناء والبنات لخلق حقيبة متعددة الاستخدامات من هذه المصادر الأحفورية التي وهبها الله لنا في هذه الأرض المباركة.

وتحقيقا لهذا التوجه، تعكف «أرامكو» حاليا على تطوير تقنية الخطوة الواحدة لتحويل النفط الخام إلى كيميائيات أولوفينية كالإيثلين والبروبلين وغيرهما الكثير بفاقد كربوني أقل بكثير، وهذه الكيميائيات المنتجة ستزيد من قيمة العائد من برميل النفط كمواد كيميائية تدخل في حياتنا اليومية بعيدا عن تذبذب سعر النفط الخام. إن العالم لن ينفك يحتاج إلى النفط الخام دائماً وأبداً حتى يتحول ماء البحر إلى وقود، وأقول ماء البحر، لأنه السائل الأكثر وفرة في الأرض الذي يحتوي الهيدروجين قبل النفط. وبالتي، حتى ذلك الحين سيضطر العالم للتعامل مع النفط كمصدر للطاقة، على الأقل في مجالات النقل والبناء والتشييد والرفع. فبرميل النفط الواحد يستخدم نصفه لإنتاج وقود الطائرات والديزل ووقود المركبات الثقيلة الذي تحتاج فيها ميزتين تنافسيتين هما انخفاض السعر والوفرة وهو ما لا يمكن تحقيقه من خلال مصادر الطاقة المتجددة حتى اليوم.

التكامل الذي تمارسه «سابك» و«أرامكو» حاليا في أسواق الطاقة والكيميائيات واللتان تعتبران ذراعين قويين جدا لاقتصاد المملكة في ظل رؤية طموحة وملهمة تضطلع بها اللجنة العليا لشؤون المواد الهيدروكربونية سوف يشكل خيارات أكثر تعددية لإنتاج المواد واستخلاص أقصى لقيمة البرميل النفطي الواحد، وسيوفر حلولا للطاقة أقل في بصمتها الكربونية. ما يعني إضافة جديدة لسلسلة الإضافات التي أنجزتها السعودية، مؤخرا، في خفض الفاقد الكربوني السنوي بما يصل إلى 5 ملايين طن متري من غازات الكربون سنوياً من الصناعة فقط.

ومن مميزات هذه التقنية السعودية الجديدة لتحويل النفط الخام إلى كيميائيات باستخدام محفزات كيميائية في خطوة واحدة خفض استهلاك الطاقة في أفران التكسير والتشكيل وأيضاً في مفاعلات التحويل. ما يعني تسريع وتيرة تحقيق أهداف خطة الاستدامة الوطنية.

سوف يغيّر هذا التحول في إنتاج النفط إلى كيميائيات من مستقبل النفط واستخدامه، وبالتالي يعطي مجالات أرحب للمبادرين لتعظيم منفعته الاقتصادية وانعكاسه على حياة الإنسان بطريقة أكثر ملاءمة للبيئة وصحة الإنسان. وكمتابع في هذا الشأن، أرى أن هذا التكامل بين «أرامكو» و«سابك» سوف يعطي الجيل السعودي المقبل فرصة أكثر واعدية في كل مجالات الاقتصاد وإنشاء الحضارة السعودية المقبلة للعالم.