يردد البعض نجاح إيران في تصدير الفكر الثوري إلى أربع عواصم عربية، وأن هناك توسعا لهذا الفكر في تلك البلدان. وحقيقة ما نشاهده أن استجابة غالبية الشعب لا سيما فئة الشباب لم تتجاوز حدود الفضول، ومن ثم السخرية من هذه الأفكار التوسعية الاستعمارية التي يتم التعرف إليها مباشرة، وأنها تهدف إلى نهب خيرات البلد واستعماره من خلال التأثير الطائفي والمذهبي. جميع العواصم التي غزاها هذا الفكر لم تقتنع بهذا المشروع، بل إن إيران تواجه مأزقا حقيقيا حاليا في العراق ولبنان واليمن، لأن التخلي عن الوطن مقابل أفكار واهمة هي فكرة تمجها العقول السليمة وتلفظها الفطرة النقية.

في الحقبة الماضية كان هناك ظهور وتنامٍ وتنافس لظاهرة التيارات السياسية المتأسلمة، والتي حملت إلى الشعوب شعارات براقة ومفاهيم كاذبة، وجميعها اعتنق التشدد والتطرف وكان موجها بقوة ضد الحكام ومحاولة صنع الانقلابات الداخلية، بحجج الظلم والجوع والفقر، فكانت ثورات الربيع العربي التي ثبت لاحقا أنها كانت مخطط لها بهدف السيطرة على ثروات ومقدرات الشعوب، وهو أمر للأسف نجح في العراق وليبيا، ولكنه تهاوى أمام إرادة الشعوب الحرة والمتبصرة، وأمام ما يحاك لها من مكائد ومصير مظلم، فلم ينجح في مصر والخليج. عقب أفول تلك الثورات، انخفض اندفاع الشباب المتحمس، وأصبح أكثر تعقلا ومعرفة بما يدار من حوله، واكتشف الحقيقة المرة في السقوط الأخلاقي لتلك التيارات والثورات المتأسلمة.

هذه الأيام بدأت المجتمعات العراقية واللبنانية واليمنية، في مواجهة المشروع الإيراني المتوشح بشعارات الدين، لا سيما مع منهج استباحة الدماء وقتل كل مخالف للفكر والتوجه، وإشاعة الرعب والفوضى والقضاء على كل ما هو قانوني، ومصادرة الأنظمة واستبدالها بالأحزاب والحشود الفوضوية.

لقد عانت شعوب العراق ولبنان واليمن خلال سنوات، بسبب هذا التدخل والتمدد ودفعت ثمنا غاليا من الأمن والأمان وفقدان الأحبة، ودخلت في صراع حقيقي بين تلك الوعود الزائفة وبين حالة الانحسار الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي، بل وعودة مذهب الولاء والبراء ولكن بنكهته الإيرانية، وهذا ما نلاحظه جليا في جماعة الحوثي والأحزاب الموالية لإيران في العراق ولبنان.

لا نبالغ إذ نقول إن هذه الشعوب ورغم اعتناق مجموعة منها المذهب نفسه، إلا أنها بدأت في استرداد الوعي ومحاربة الوجود الإيراني، ومصادرة تلك الأفكار التخريبية وإظهار حاجتها إلى السلام والتعايش مع الجيران، وضرورة وجود دولة القانون على أرض الواقع.

إن أسلوب القتل والتدمير وإشاعة الفوضى الذي تنهجه إيران، لم يعد فاعلا لإقناع شباب تلك المجتمعات بالانضمام إليها. فمع انفتاح العالم وانقشاع جماعات القتل والتكفير ووضوح الصورة الكبيرة، أصبح الشباب أكثر حرصا على مستقبل واعد يملؤه التسامح والأمان.

المرتكز العقائدي الذي نهجته إيران كمتراس يحمي هويتها وماهيتها، لم يعد نافعا كحجة للدخول إلى تلك المجتمعات واجتثاث هويتها الحقيقية ومصادرة أحلامها وآمالها. كما أن الأحزاب التي صنعتها إيران كأجنحة لها في تلك البلدان، أصبحت تعاني من عدم القبول والنفور، بل والمطالبة بطردها ووصمها علنا بالخيانة والعمالة.

لقد استشعرت تلك الشعوب أن المشروع الإيراني، يستهدف وجودهم السياسي والثقافي والحضاري، وعليه كانت المواجهة الحتمية وأصبحت ردود الأفعال ظاهرة للعيان.