جميعنا يعلم بأن «التمييز» و«العنصرية» و«الطائفية» و«التعصب»، إخوان أشقاء ينحدرون من عائلة «الكراهية»، إذ لا يمكن لأي فكرة تنطلق من هذه الأسرة البائسة أن تكون في يوم ما ناجحة أو ذات نتائج جيدة، مثل تمييز الذكور عن الإناث، وتمييز السود عن البيض، والأغنياء عن الفقراء، والمواطنين عن المقيمين، والقبلي عن الحضري، وطوائف معينة عن غيرها، ومناطق عن أخرى، ورجال الأعمال عن غيرهم، أو مشايخ القبائل عن غيرهم، والأعيان عن سواهم، وأندية رياضية عن غيرها. كل هذه القوائم لا يمكن أن تأخذ موقعاً إيجابياً بأي حال من الأحوال، لا في عبارة مكتوبة على ورق ولا بأي فعل في الحياة. إلا أننا كشعوب عربية كلما اختبر الزمن إنسانيتنا، اتجهنا سريعاً لأحد أفراد هذه العائلة التعيسة. قبل يومين احتفل المجتمع الدولي بذكرى اليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري، الذي يوافق 21 مارس من كل عام، تحت عنوان «الشباب يقفون ضد العنصرية»، بهدف إشراك الجمهور، لتعزيز ثقافة عالمية من التسامح والمساواة ومناهضة التمييز العنصري. تزامنا مع هذه المناسبة سأستعرض خبرين نشرا قبل أيام في بعض وسائل الإعلام المحلية الأول، إعلان وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أنها تعمل على إصدار سياسة وطنية جديدة لعدم التمييز تعد الأولى من نوعها، وهي في مراحلها الأخيرة وتنتظر الاعتماد قريبا. وهذا يحسب للوزارة كونها مهتمة بإعلاء المساواة واحترام حقوق الإنسان. وفي منظوري أن نجاح السياسة الجديدة يعتمد على تجريم السلوك العنصري وتضمين عقوبات محددة وواضحة لمرتكبيها ووضع إجراءات وتدابير قانونية وإدارية وقضائية للحد منها، من قبيل إرسال استبيان خاص وسري لكل موظفي الدولة، تقيس رضاهم عن بيئة العمل، بحيث يتضمن أسئلة عن رؤية الموظف للتمييز في نطاق عمله.

أما الخبر الثاني، هو إعلان وزارة التعليم عن إنشاء وحدات التوعية الفكرية في إدارات التعليم والجامعات ترصد الأفكار والسلوكيات المتطرفة. كل هذا جميل ومطلوب، ولكن لم أجد إشارة لعبارات مثل نبذ الكراهية والعنصرية والتمييز والتعصب القبلي والمناطقي والطائفي والرياضي. فالتعصب العنصري في الساحة الرياضية يكاد يكون أحد الأمثلة الصارخة عندنا، هذا الوباء اللعين امتد إلى ملاعبنا السعودية. وبالمقابل تجد أن العنصرية موجودة في الملاعب الحائزة دولها على مراكز متقدمة في مؤشر التنمية البشرية، ومع ذلك هي تعترف بالعنصرية وتتخذ المزيد من الإجراءات الصارمة لمكافحتها. أذكر أنه قبل سنوات وتحديدا في اليوم العالمي لمكافحة التمييز العنصري، كان شعار المؤسسات التعليمية في تلك الدول يحمل عنوانا رياضيا «ركل العنصرية خارج الملعب». وهنا أقولها بكل صدق علينا الاعتراف بالمشكلة وتجريم التمييز العنصري بكل أشكاله. لا يهم أن نتجادل كثيرا في كونه ظاهرة أو لا، فنحن نتحدث عن سرطان إذا تركته ولم تقتلعه من جذوره، سينمو ويتكاثر ويأكل الأخضر واليابس. أخيرا أقول: كل قطاعات الدولة العامة والخاصة، معنية بفرض قوانين تنبذ التمييز العنصري، خاصة أن النظام الأساسي للحكم في المملكة ينص في المادة 12 على«أن تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي إلى الفرقة والفتنة والانقسام»، بالإضافة إلى الشجب الدائم لمحاولات إشاعة التعصب والكراهية والتمييز العنصري، من خلال انضمام المملكة إلى الكثير من الاتفاقات الدولية التي تجرم وتكافح في موادها جميع أشكال التمييز.