ما أجمل التحفيز، ومما يزيد جماله، حال صدوره من شخصية ذاتعتغقلالب قيمة ومكانة، تتمتع بالفراسة، ذلك العلم الذي تعرف به أخلاق وطبائع الناس الباطنة، من النظر إلى أحوالهم الظاهرة كالألوان والأشكال، والطباع، أي الاستدلال بالخلق الظاهر على الخلق الباطن، وهذا العلم أجاده وتفرد به العرب في الجزيرة العربية، ومنهم ملوك المملكة العربية السعودية.

اطلعت على تقرير عن العالم السعودي في علم الرياضيات الدكتور علي الدفاع نشرته مجلة القافلة قالت فيه «إن اسم الدكتور علي الدفَّاع يرد في عدد ضخم من قوائم العلماء: دليل الشخصيات في المملكة العربية السعودية، ودليل علماء العلوم في العالم، ودليل الشخصيات العالمية، ودليل الرجال والنساء المتميزين، ودليل الباحثين في تاريخ العلوم عند العرب، ودليل المثقفين في العالم».

في إحدى مناسبات التكريم بحضور الملك سعود بن عبدالعزيز في عام 1381هـ / 1961م كان علي الدفَّاع من بين الطلاب الذين تم اختيارهم من قِبل المملكة للدراسة في الخارج، وأراد ملك البلاد حينئذ الملك سعود بن عبدالعزيز، يرحمه الله، أن يلتقي الطلاب المبتعثين، فلما رأى الملك هيئة هذا الرجل البدوية قال له: «أعرف أنك شاطر في رعاية الغنم، لكنني أريدك أن تكون شاطراً في رعاية العقول».

فأججت هذه الكلمات نار الحماسة عند هذا الشاب الذي نذر نفسه فيما بعد لخدمة دينه ووطنه بعلمه، فكان الدكتور علي الدفاع منذ سنوات، عالماً من طراز قلَّ نظيره في العالم العربي. الدكتور علي بن عبدالله الدفَّاع ولد في مدينة عنيزة بمنطقة القصيم بالمملكة العربية السعودية عام 1358هـ / 1938م. أما عائلته فأصلها من المذنب المجاورة لعنيزة، وهي من عائلة العويد، من الوهبة، من بني تميم. وأخذ اسم الدفَّاع عن جده صالح الذي كان يلقب بهذا اللقب.

كان للبيئة التي نشأ فيها الفتى أثر واضح لاحقاً في تكوين شخصيته كعالم مسلم، وهو عالم رياضيات ومتبحر في تاريخها، عُرِف عنه اهتمامه بفرع التكامل من علوم الرياضيات، حتى عُرف عند العلماء بـ «ملك التكامل». له بحوثه المتعمِّقة في دراسة تاريخ الرياضيات والعلوم عند علماء العرب والمسلمين، وفي إبراز دورهم الحضاري.

عندما أنهى الفتى علي المرحلة الابتدائية سنة 1955، حصل على الترتيب الأول من بين طلاب المملكة، أراد الالتحاق بالمدرسة المتوسطة، لكن إلحاح والده على الدراسة في المعهد العلمي حال دون ذلك، فهو نشأ في منطقة القصيم المشهورة بوجود علماء الشرع والمعاهد الشرعية، فعرض الفتى الصغير على جدته رغبته في الالتحاق بالمدرسة المتوسطة، وهنا ما كان من جدته إلا أن بادرت بسؤال أحد مشايخ القصيم وعلمائها، وهو الشيخ عبدالرحمن السعدي، -يرحمه الله-، وسألته عن الأفضل لحفيدها علي، فأجابها الشيخ: «ادخلوه على رغبته».

فتدخلت الجدة، وطلبت من ابنها أن يلحق حفيدها بالمتوسطة بناءً على رغبته، ففعل. ومن هنا سلك علي الدفَّاع الطريق الذي سيضعه في نهاية المطاف على قائمة كبار العلماء.

تميَّز الدكتور الدفَّاع في تحصيله العلمي، وتخصص في علم الرياضيات في الصف الثاني الثانوي ثم ابتُعِث بعد ذلك إلى الخارج، وحصل على درجة البكالوريوس في الرياضيات البحتة من جامعة أهايو وجامعة استيفن أف. أوستين عام 1967م في كل من ولايتي أوهايو تكساس الأمريكيتين، وتابع تحصيله العلمي بشغف، حتى نال درجة الدكتوراه في الرياضيات البحتة من كلية بيبودي من جامعة فاندربلت عام 1392هـ / 1972م في مدينة ناشفيل بولاية تنسي في الولايات المتحدة الأمريكية.

عاد الدكتور علي الدفَّاع إلى وطنه الذي أحب، ليستأنف مسيرة العطاء المثمر، فانضم إلى أعضاء هيئة التدريس بلقب أستاذ مساعد بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بمدينة الظهران في المملكة العربية السعودية. ترقَّى الدكتور في الجامعة، وتبوأ مناصب عديدة حتى صار في الفترة الواقعة بين عامي 1977 و1984م عميداً لكلية العلوم بجامعة الملك فهد، حيث قام بمراجعة مناهجها وتحديثها وتقديم مقترحات حول تطوير معاملها.

له مؤلفات يزيد عددها على الأربعين كتاباً، منها ما ترجم إلى اللغة الإنجليزية والصينية واليابانية والملاوية. وكان آخرها كتاب «أثر علماء العرب والمسلمين الأوائل في العلوم الرياضية»، وهو مكون من أربعة أجزاء. أما عن مقالاته وبحوثه العلمية ومقالاته المقدَّمة في المؤتمرات فهي أكثر من أن تُحصى، وغالبيتها العظمى تتكلم عن العلماء العرب والمسلمين وأثرهم الحضاري، كما أنه عضو في عدد كبير من المنظمات العلمية الدولية ومنها: الجمعية البريطانية لتاريخ العلوم، الرابطة الإسلامية للعلماء والمهندسين، لجنة موسوعة الحضارة في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في الأردن، وهو عضو مؤسس لأكاديمية العالم الإسلامي للعلوم في الأردن، وعضو شرف في المجمع العلمي العراقي، وعضو الجمعية العالمية لإحياء التراث الإسلامي.. وغيرها الكثير.

الدكتور علي الدفَّاع أنموذج لصورة النجاح الحقيقي.