أن تكون سياسياً يُمكنه تعطيل الحياة الطبيعية للبشر، على أساس أهواء شخصية أو مناكفة سياسي غيرك، وتُقدِم على ذلك، فأقل وصف يُمكن أن توصف به بأنك مُجرمٌ، كمجرم يرتدي حزاماً ناسفاً «مخيراً أو مُجبراً»، ليقتل مئات وآلاف الضحايا في تجمع ما، في بقعة ما، بهذا العالم التعيس.

وأن تكون سياسياً بتلك الصفات وتدّعي الفضيلة فأنا وأنت على يقين تام بأنك تفتقدها. وإن كُنت ذا صوت عال هو المتحكم في مصير الدولة بمن فيها، ولا يهمك سعر صرف عملة بلادك ولا قيمة لقمة عيش أبناء جلدتك، فثق بأنك لبناني موصومٌ بالإجرام، تجاوزت كونك مُجرماً معروفا بتلطيخ يديك بالدماء، لقتلك الآخرين على الهوية أو المذهب أو الانتماء الإيديولوجي، وبلغت سقفاً لم تُسبق إليه في قتل الآخرين عبر سياسة التجويع، واستهداف البشر في مصادر أرزاقهم، وهذه آخر صيحات فن تعذيب الشعوب.

ففي بعض الدول المحيطة بنا القتل على الهوية، وفي أخرى على حساب ثاراتٍ اندثرت من مئات السنين. كما شهدته العراق في وقت مضى. ولدى البعض التصفية لمن يُخالف أو يُعارض الزعيم الأوحد، حتى وإن كان زعيماً لدولة تقدم نفسها للعالم بنظامٍ ديمقراطي يكفل حرية التعبير والرأي الآخر.

كما في تركيا على سبيل المثال حين يختلف أحد مع خليفة المسلمين، وإيران في حال صدح صوت أحد المواطنين المغلوب على أمرهم ضد الحكومة، على الأقل نظير حرمانه من التواصل البشري مع العالم الآخر، إذ إن في إيران استخدام مواقع التواصل الاجتماعي يؤدي إلى الموت.

أما في لبنان، فيُمكن جمع صور الإجرام السابقة والسلاح السائب والمُفخخات التي يُجيد اللعب على وترها حزب الله، لتضاف إلى صيحة حرب «رغيف الخبز»، التي لا تستثني أحدا، ليُعاني منها شعبُ دولةٍ بأكمله، وليس شريحة أو طبقةً بعينها. قبل أيام اختلط الحابل بالنابل في تلك الدولة الجميلة، خرج الرئيس - الذي أنعته على الدوام بـ«فاقد الأهلية»- واضعاً شرطاً تعجيزياً أمام رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري «الذي لا يعلم ماذا يريد»، مفاده إما أن تُشكل حكومة، أو تتنح جانباً.

في شرط عون كثير من اللؤم والخبث السياسي المبني على جهلٍ من الرئيس نفسه ومن الدائرة المحيطة به، باعتباره هو من أعاد الحريري في صفقةٍ سياسية بين التيار الوطني الحر وميليشيا حزب الله، بعد أن قرر «سعد» الابتعاد عن المشهد السياسي اللبناني. وهنا إما أن يكون هذا التصرف حماقة، أو استغباءً للشارع اللبناني. وكلتا الحالتان مُرّتان. لماذا؟ لأن رئيس الجمهورية يعي أن لا الحريري ولا غيره يمكن أن يحرك العجلة حين يضع حزب الله «حليف التيار العوني» الذي يتزعمه صهر الرئيس، عصاً كبيرة تُوقف الدولة عن بكرة أبيها وتمنع أعتى سياسي من تشكيل حكومة، ما لم تكُن مناسبة للمزاج السياسي للحزب الإرهابي.

ولأن ميشال عون يفهم كيف أنه في دولة كلبنان إن فُقدت السيطرة على سعر صرف الليرة مقابل الدولار، مقروناً بتدني قيمة الإنسان، مقابل ارتفاع سعر «رغيف الخبز» فلا مناص للدولة عن الدخول في دوامة كبرى لا نهاية لها إلا بحربٍ أهلية لا سمح الله، أو تعاظم إصرار اللبنانيين على البقاء في الشارع حتى يكتب الله أمراً كان مفعولا.

وكل تلك الحالات عبارة عن إفرازات سياسية نتيجة عدم قدرة الرجل – أي عون – على إمساك زمام الأمور منذ بداية عهده، حتى انقلب المشهد وباتت العربة في موقع الحُصان.

إن قول زعيم ميليشيا حزب الله الإرهابي في لبنان حسن نصر الله خلال حالة الشد والجذب بين «الرئيسان» عون والحريري، أنه «يملك معلومات أن هناك جهات خارجية، وبعضاً من الجهات المحلية، تدفع باتجاه حرب أهليه لكنها تبحث عن الوقود والزيت، ولكن وعي اللبنانيين منع ذلك»، هو بمثابة إزاحة الحمل عن الحليف العوني من جهة، وسعياً لمساندته في دفع كرة النار إلى ساحة الحريري، الذي ستتحول إليه السهام في حال رفض تشكيل حكومة، وسيُترجم ذلك على الأقل في الأوساط المؤيدة «للتيار العوني وحزب الله» على أنه تخلٍ عن المسؤولية الوطنية.وفي ذلك حرف للبوصلة من الاتجاه الصحيح الذي يشير إلى تحمل عون وزمرته مسؤولية حماية الشعب اللبناني، أو على أقل تقدير توفير الحد الأدنى من المعايير الإنسانية.

الأخطر والأدهى، حين أكد نصر الله «أن حزب الله ليس لديه نية لاستخدام سلاحه لتشكيل الحكومة».! ماذا يعني ذلك؟ يعني بالدرجة الأولى أن السلاح القادم من إيران لن يهمه الشريحة التي يُوجه إلى صدورها، فبعد سوريا الباب مفتوحاً على مصراعيه لتحويل بنقدية الحزب إلى صدور الشعب اللبناني. ويعني بالدرجة الأخرى أن الخط والهدف واستراتيجية الحزب وسلاحه أكبر من لبنان، ولا يُمكن أن تنحرف عن أهداف ولاية الفقيه، وهذا يؤكد أن لبنان لا يهم الحزب، بل يعتبر هذه المساحة أرضاً لصراع نفوذ أو معركةٍ يسعى لحسمها لصالح النظام الإيراني، وليست وطن.

إن تخبطات الرئيس عون، ودخول وخروج الحريري لقصر بعبدا ثمانِ عشر مرة خالِ الوفاض، وتصعيد لهجة نصر الله الأشبه بالانقلاب الموعود، كانت وفق رأيي تستدعي دخول الجيش كمؤسسةٍ من شأنها ضبط الأمور حال خروجها عن السياق الطبيعي، كورقة أخيرة يُمكنها انقاذ البلاد والعباد.

حتى إن كان ذلك أشبه بالبيان «رقم 1»، فهو أخفّ وأهون على الشارع اللبناني من كلماتٍ صاغها «حائك سجاد الإرهاب» في طهران، ونقلها «جرذ الضاحية» من جحره بجنوب بيروت.