في صيف 2019 كنت مدربة مهارات في برنامج تدريبي مقام في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، كان موضوعنا في ذلك اليوم عن القيادة، وما هي صفات القائد الناجح. لفتت انتباهي مناقشة حادة بين المتدربات حول تحديد صفات القائد، وأن القائد الناجح لا بد أن تكون لديه كاريزما طاغية، وأن الكاريزما متعلقة فقط بالمظهر والإطلالة المبهرة دون أي اعتبار لأي معايير أخرى. عندها صاحبني فضول بالبحث عن الأمر وتحليل الكاريزما من مفهوم عملي وعلمي.

فهل الكاريزما تتطلب مظهرا فتّانا وإطلالة ملفتة، أو أن تكون ثريا ومن طبقة مخملية!. ابتداء، الكاريزما هي الحضور اللامع والطاغي والساحر والنفوذ الروحي لوجدان الآخرين، وله جمهوره. فالشخصية الكاريزمية لديها قدرات غير طبيعية في القيادة والإقناع وإلهام الآخرين، هي شخصية جاذبة لمن حولها بطريقة يصعب تفسيرها، بمعنى أننا أحيانا نجلس في مكان ويبهرك شخص من أول مرة تراه، ومن ثمّ تصاحبه قيمة مضافة تزيد من وقاره عندما يتحدث، من تميّز في الشخصية والفكر ولغة الجسد والأسلوب، وكل ذلك يندمج ويمتزج في الجاذبية الشخصية، فالكاريزما صفة تفرض نفسها على الآخرين ولا يمكن تجاهلها.

يرى الدكتور ريجيوا أن جوهر الكاريزما يكمن في قدرة الشخص على التواصل مع الآخرين ومزامنة لغة الجسد مع الحوار، والتقاط المشاعر متلازما مع التعبير عن المشاعر الداخلية. فالثقة في النفس تعكس جوهر الإنسان الداخلي، فعندما تبني نفسك من الداخل سيكون لديك كاريزما من الداخل وستنعكس للخارج، لأن الكاريزما لا يمكن أن تكون سطحية وهشّة.

ساد اعتقاد لدى البعض بأن الكاريزما ما هي إلا نوع واحد وهو الشخصية الجذّابة الملفتة، ولكن إذا أردنا أن ندخل بعمق الكاريزما فهي الحضور الطاغي، وهذا الحضور له أربعة أنواع حسب ما صنّفه لنا الدكتور رهاف فكري في كتابه - أصحاب الكاريزما - لربط فكرة القيادة والكاريزما.

أشهر هذه الأنواع: «كاريزما النجم» وهي الحضور الشخصي، ولدى هذا الشخص صفات مميزة جدا في مظهره الخارجي، وشكل الصوت، والهيئة بشكل عام.

أيضا هو شخص قادر على جذب الناس وتجميعهم وتشجيعهم على اتخاذ قرارات معينة، بمعنى له حضور شخصي فقط، فبمجرد أن يختفي من المكان أو يتلاشى أثره لا يشعر به أحد ولا يبقى له أي بصمة. وفي أحيان أخرى عندما تكلمه تجده من الداخل فارغا، بمعنى ليس لديه منطق أو أي اعتقاد، عندها سيتغير حكمك وسينصب بالذهن أنها ليست شخصية جذابة! فكلماته كالهيكل الفارغ من الداخل تحتاج إلى حقن لتمتلئ بالتأثير. وهذا ليس تعميما على أن من يمتلك تلك الكاريزما ليس لديه نوع آخر من الكاريزما، فقد يجتمع أكثر من نوع وهنا تكون الكاريزما نفيسة وثمينة. لكن أكاد أجزم أننا واجهنا في حياتنا الكثير من هذا النوع. يقول دانيال كوين في كتابه «مغامرة العقل والروح»: «لكن الكاريزما لا تفعل شيئا إلا أن تحظى بانتباه الناس، بمجرد انتباههم، يجب أن يكون لديك شيء آخر لتعطيهم إياه!»، ومن الممكن أن تكون بعض الشخصيات المستخدمة في الإعلانات التجارية للعطور وغيره، أو في مجال الفن والإعلام أقرب مثالا على تلك الشخصيات فهي تطبّق ما يطلب منها عمله وتنفيذه.

سنكتفي بالنوع الأول وفي المقالة القادمة سنكمل - بإذن الله - الأنواع الثلاثة المتبقية من أصحاب الكاريزما.