رغم كل ما مر بنا خلال السنوات الثمانية عشرة الأخيرة، لا زلنا لم نتوصل بعد لحلول ناجعة يمكنها معالجة كم المشاكل الموروثة من نظام البعث وصدام، والأسماء الجديدة التي ابتلينا بها، نتاج فشل معظم ساستنا الهواة.. ممن قضوا تلك السنوات في تجريب كل ما خطر ببالهم من أفكار وآليات فاشلة.

يخادع نفسه من ينكر أن معظم مشاكلنا التي نعيشها ونعاني من تبعاتها مرتبطة بشكل أو بآخر بمشاكل سياسية.. وهذه مرتبطة بجهلنا كمجتمع بالعمل السياسي وآلياته وفهم كيفية التأثير فيه، وهذا ما سهل خداعنا عموما، بل وتكرار ذلك حد استغفالنا مرة تلو أخرى، بشعارات وأهداف وكلام فارغ يدغدغ عواطفنا لا أكثر.

من أكثر الخدع التي لا زلنا لا نقر بأنها انطلت علينا، هو قبولنا بمئات الأحزاب والجهات والتيارات التي لا تملك مشروعا سياسيا، ولا فكرا يمكنها من خلاله تقديم شيء لهذا الشعب الكريم.. وجعلتنا عواطفنا وغضبنا من الأحزاب التي تولت السلطة سابقا، نمقتها ونحملها مسؤولية الفشل، وهو كلام في كثير من الصحة.. لكن حلنا كان انتظار أحزاب جديدة، وكأن ما هو موجود لا يكفي!

معظم الأحزاب قديمها وجديدها، تدور في الفلك الطائفي أو القومي نفسه، ولم يقدم أي منها مشروعا حقيقيا، يحتوي أفكارا بخطوات واضحة، يمكن قياسها لتحديد مستوى الإنجاز بشكل حقيقي.. بعيدا عن التهويل والمبالغة كما اعتادت الجيوش الإلكترونية فعله، إلا ما ندر.

اليوم ونحن نقترب من انتخابات قد تكون مصيرية، لأنها ربما ستكون آخر محاولة، لوقف الانحدار الذي وصلت إليه عمليتنا السياسية ولعبة الحكم فيها، يجب على الأحزاب أن تقدم لنا شيئا جديدا، ومشروعا وعقدا مختلفا عما سبق أن قدمته، بعيدا عن التخندق الطائفي، ولتشكل تكتلات تعتمد الكفاءة والنزاهة، تعبر الطائفة والجغرافية المناطقية والقومية، وبوجوه جديدة ليست عليها شائبة، ولم تتلوث بأفعالهم السابقة.. لعل المجتمع يمنحهم فرصة لتصحيح ما أفسدوه سابقا. الفرصة لا زالت متاحة لهم، وتجاوز الماضي وأخطائه ممكن، فالعراقيون متعاطفون وصبورون ولكن ليس للأبد، والانتخابات مقدمة لما بعدها، ومن خلال ما ستقدمه التحالفات ونوعيتها، سيفهم الناس ما الذي سيحصل بعدها، فليحذر ساستنا غضبة أخرى، ستودي بالجميع إلى مجهول لا تعرف خاتمته.

عمل الهواة وتكرار الأكاذيب نفسها لم يعد مقبولا، وتكفيهم السنوات الماضية ليتعلموا منها ومن أخطائهم، ومن لا يستطيع أن يكون أهلا للمرحلة القادمة ومسؤوليتها الخطيرة، فليكتفِ بما «حصل عليه» وليغادر المركب، وليدعه لمن يكون أهلا له، عسى ولعل يوفق في أن يقدم شيئا.