القارئ للتاريخ العربي يجد أن العرب في فترة ما قبل الإسلام، كانوا في حالة فوضى، القوي منهم يهضم الضعيف، وحسب تعبير ابن خلدون العرب أبعد الأمم عن سياسة الملك، ما يؤكد ذلك قول النعمان بن المنذر لكسرى في أن العرب لا تفضل بيتا من بيوتها لتملّكه عليها، بل العرب جميعا يرون أحقيتهم في الملك والرياسة، لهذا السبب لم تقم لهم قائمة في التاريخ مثل الفرس والروم. كانت قائمة العرب في التاريخ بفضل الدين الإسلامي، لأن الدين -حسب رأي ابن خلدون- كبح أجنحة العرب وسهل انقيادهم واجتماعهم تحت راية رجل واحد. في التراث العربي الإسلامي لا توجد نظرية سياسية، ودليل ذلك اختلاف الصحابة -رضوان الله عليهم- أول الأمر حين وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسبب ذلك هو عدم وجود النص الصريح -من القران أو السنة- الذي يشرع للمسلمين شكل دولتهم ورئيسها، وفي اجتماع الصحابة في سقيفة بني ساعدة قال قائل من الأنصار للمهاجرين «منا أمير ومنكم أمير»، فمثل هذه الفكرة لا تنم إلا عن عدم المعرفة السياسية، التي توجب التسليم لشخص واحد يتولى أمر المجموعة، ويرجع سبب عدم المعرفة السياسية عند الصحابة -رضوان الله عليهم- هو عدم وجود الأفكار السياسية المسبقة في أذهانهم، ويأتي ذلك تبعا لتكوين العرب السابق ذكره أعلاه.

قد يستدل أحدهم بكتاب الأحكام السلطانية للفقيه الشافعي أبو الحسن الماوردي، كونه تناول موضوعات عدة في السياسة، ولعل أهمها هو الإمامة -رئاسة الدولة- كان الفقيه الماوردي يضع ما كان في التاريخ الإسلامي، على الميزان الشرعي فقط، ولم ينتج نظرية سياسية، لنأخذ مسألة كيفية انعقاد الإمامة مثالا، فهو يرى أن الإمامة تعقد بأحد أمرين، الأول اختيار أهل الحل والعقد، ويستشهد ما كان في تولية أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- الخلافة، وثانيا بعهد من الإمام، ويستشهد بما كان في تولية عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الخلافة، وكذلك مسألة تعدي الخليفة العهد لمن هو بعده، يرى جواز ذلك ويشرعنه ويستشهد بما فعله سليمان بن عبدالملك الأموي في عهده، لعمر بن عبدالعزيز وليزيد بن عبدالملك من بعد عمر.