الملاحظ، مؤخرا، قلة النقد لأداء الأجهزة الحكومية من وزارات أو مؤسسات حكومية! وهذا قد يفتح الموضوع على عدة احتمالات، إما أننا وصلنا إلى الكمال أو شبه الكمال، فلم يعد يوجد أخطاء، أو أن الموضة السارية حاليا هي المديح، ولدرجة أن العديد من وسائل الإعلام والتواصل، أو أن بعض الوسائل الإعلامية بدأت تخاف من رفع القضايا عليها، لأن بعض الأجهزة الحكومية جيرت أقسام الشؤون القانونية لملاحقة من ينتقدها، أو الخيار الرابع، أن بعض الأجهزة الحكومية عرفت مماسك اللعبة الإعلامية، فاستخدمت بعض ميزانياتها لاستئجار بعض الأدوات الإعلامية عالية الصوت والضوضاء، ومع كثرة الضجيج ضاع وخفت صوت النقد لهذه الأجهزة!

سأضرب مثالا حاليا وواقعا يشاهد يوميا، هيئة مكافحة الفساد أعطيت الصلاحيات اللازمة، وأيضا اجتهد منسوبوها في مكافحة الفساد، وحاليا بشكل دوري تعلن عن قضايا الفساد ومسؤولين كبار وصغار تقريبا في غالبية الوزارات و أجهزة الدولة. الإعلام موجود منذ عقود، ولم يكشف ولو جزءا بسيطا عن قضايا فساد، لدرجة لو عدنا بالزمان للوراء قليلا قبل سنوات وقرأت الإعلام لدينا، لظننت أنه لا يوجد فساد من قلة الأخبار عن الفساد. وكان البعض عندما نكتب عن الفساد سابقا، فإنه ينكره ويقول إنه مبالغات. وكان لهذا الإنكار أسباب عديدة، فالبعض إما ينكر وهو يعاني شبه كسل لا يريد البحث والتقصي الإعلاني، أو أن هناك شيئا من (القصور الإعلامي)، أو كما يقول بعض الإعلاميين «من خاف سلم». إن الفساد كان موجودا سابقا، وبأضعاف الوقت الحالي، لكن لما أنشئ جهاز فعال لملاحقته، مثل نزاهة في ثوبها الجديد، بدأت تصيده بالعشرات وبشكل دوري.

وأعتقد أن هذا المثال يعيد نفسه حاليا، فقصور بعض الأجهزة الحكومية موجود، لكن الإعلام فيه كسل، ولا يريد الكشف عن هذا القصور، وربما لو اجتهد قليلا بعض الإعلاميين، كما تجتهد «نزاهة» في عملها لكشفوا الكثير من أوجه القصور، أليس الإعلام والصحافة هما السلطة الرابعة، ومن مهامهما كشف الحقائق والقصور!

الإعلام كوظيفة بشكل مبسط ربما يتم اختصاره في مقولة مهمة، البعض ينسبها لجورج أورويل، والبعض يقول إنها لوليم هيريست «الصحافة هي أن تنشر ما لا يريد أحدهم أن يراه منشورا، فيما عدا ذلك فهي مجرد علاقات عامة».

أنا أحشم الإعلامي أن يكون مداحا إلا إذا هو أراد ذلك، المديح الفج لن يجعل الوطن يتقدم، وأنا متأكد أنكم كلكم تحبون الوطن، المديح الفج لن يصلح الأخطاء، ولن يجعل الوطن ينافس عالميا. أعرف أن هناك مغريات من علاقات وربما مناصب ودخل مادي، لكن كيف تنظر لنفسك وإنسانيتك وكرامتك، وأنت تحس أنك مجرد ببغاء مدفوع الثمن!

لفت نظري بعض الأمور واستغرب، الصحافة ولا حتى تناقشها، هل المشكلة في الصحفيين أنفسهم؟ هل بعض الصحفيين بنى حواجز وهمية أو خطوطا حمراء ليست واقعية إلا بخياله، مما كتم مساحة النقد. هل مقص الرقيب يتصور أمورا ليست ذا بال أو أنه تعود على محظورات وهمية سابقة تعداها الزمن، وأنه خلال المرحلة الحالية، لم يتواءم مع الانفتاح الذي يشهده البلد. في فترة سابقة ربما إذا أردت انتقاد سفلتة شارع فقد يأتي موظف بلدية ويقول إن من عمل الشارع هي البلدية والبلدية جزء من الحكومة، وأنت تنتقد الحكومة! كان بعض المسؤولين يعتقد أنه يمثل الحكومة، لكن تغير كل شيء الآن، أصبح كل جهاز لا يمثل بأشخاص، فمن يفعل الفساد مثلا، فإنه يمثل نفسه وليس وزارته. الحكومة تنشر بشكل دوري عن أعداد من الفاسدين في أكبر الوزارات السيادية، ولم يأت أحد يقول إن هذا الضابط- مثلا- يمثل وزارة الدفاع أو هذا يمثل الخارجية، نحن مجتمع بشري فيه الصالح والطالح، لذلك ليس دفاعا عن الحكومة، لكن منطقيا حكومة تنشر بشفافية قضايا فساد في أكبر الوزارات السيادية، ومسؤولين في مناصب عالية، ويأتي مقص رقيب إعلامي يتصور خطوطا حمراء وهمية، ويمنع النقد لأمور من صميم عمل الصحافة.

أخشى أن تنطبق على بعض الإعلاميين المقولة «بتصرف» «لو أن الحكومة أمطرت الصحافة بالصلاحيات والحرية لوجدت بعض الإعلاميين يحمل مظلات!». كتبتها سابقا وأؤكد عليها، أن رأس الدولة أبو فهد- حفظه الله- يؤكد في أحاديثه «..أبوابنا مفتوحة، تليفوناتنا مفتوحة، وآذاننا مفتوحة لكم...»، قلناها سابقا ونعيدها أداء كل مسؤول بالدولة قابل للنقد، بما اؤتمن عليه من ولي الأمر، واستثنينا الملك وولي العهد لأنهما رأس الدولة، ويمثلان الوطن بناء على أسس دولتنا كدولة ملكية، والنقد العلني لهما هو نقد للوطن وللدولة وأصولها وقواعدها ولكل ما تمثله، وهذا غير مقبول، لذلك لا أحد يقبل أن يتم انتقاد أصول الوطن ورموزه، لكن ما غير ذلك من مسؤولين من وزراء أو أمراء أو غيرهم، فهم قابلون للنقد والمساءلة بغض النظر عن مناصبهم أو قربهم أو بعدهم. إن أسوأ معادلة ممكن أن تحدث لأي جهة، أن يوجد تبادل مصالح أو علاقات نفعية بين المسؤول والإعلامي، ويصير الوضع «شد لي واقطع لك».