قابلية الاستخدام أو الاستهلاك للمرة الواحدة ليست مقصورة على منتجات البلاستيك أو الأوراق أو الأمور التي قد يستفاد من إعادة تدويرها، فالمصطلح هذا قد يشمل رحابا أوسع، وهو ما سأشير إليه في ثنايا حديثنا حول المحتوى أو الوسائل الإعلامية ذات الاستخدام الواحد، التي ما أن تقوم بما أوكلت به فتنتهي مهمتها غير مأسوف عليها. غير أن الاختلاف بين صناعة الورق والبلاستيك وما شابهها، وما بين ذلك النمط من المحتوى الإعلامي ذي الاستخدام الواحد، أن الأخير غير قابل للتكرار وإعادة التدوير.

هنا يبرز التساؤل: هل هناك وسائل إعلامية ذات استخدام وحيد، ومن ثم تلقى في سلة مهملات التاريخ؟ الإجابة نعم، وبمعنى أدق يمكن وصف القنوات المأجورة بـ«دكاكين الإعلام» التي استهدفت أمن واستقرار بلدانها، ومولت من قبل أجهزة استخبارات لدول معادية، فتلك القنوات، التي قامت على أساس وحيد وهدف يتيم، متمثل في بث دعاية سوداء ضد أوطانها، غالبا ما عصفت بها رياح التاريخ، ولم تتسم بديمومة، لأنها كانت رهنية لغرض محدد تم القيام به.

القائمة السوداء تطول لذلك «السقط الإعلامي»، فكم شاهدنا قنوات قدمت نفسها على أنها معارضة، وهي لا تعدو عن كونها مكاتب وأبواق مسبقة الدفع، يتم بصقها مثل العلكة بعد أن تمضغ. فـ«دكاكين الإعلام» في لندن أو كندا، والنماذج الإخوانية في تركيا، وعدد من الصحف والمجالات أو حتى الإذاعات التي قامت على النهج نفسه، سرعان ما غابت عن ذهنية المتلقي.

فتلك النماذج قبلت بأن تكون سلعة رخيصة، فهي التي باعت أوطانها بأرخص الاثمان، ولا ضير بأن تبيع مبادئها وتضرب بالمهنية عرض الحائط. وكما يقال «ما بني على باطل فهو باطل»، فأساس تلك الوسائل كان هشا، ولا يرتكز على أي أساس مهني واضح، أو خط تحريري، فثقافة الصراخ والتضليل هي الأطر والطرق التي ساروا عليها حتى وقعوا سريعا.

وما حدث أخيرا من قبل الحكومة التركية تجاه القنوات التابعة لجماعة الإخوان، التي احتضنتها منذ سنوات، خير شاهد، حيث لم يكن طرحهم يتجاوز ثقافة الشتائم والردح ضد مصر ودول الخليج، ومحاولة ضرب تلك اللحمة والترابط الأخوي بين تلك الأقطار.

ولأن الحديث يسوق نفسه، فنحن اليوم في مطلع أبريل، ويعرف هذا اليوم من الشهر بفكرة «كذبة أبريل»، التي غالبا ما يبث الأشخاص من خلالها كذبة للمحيطين حولهم، غير أن تلك النماذج الإعلامية فاقت كذبات أبريل، فهي قادرة على نشر الأكاذيب، وممارسة التضليل بكل أشكاله على مدي السنين إلى أن يوقف الممول الدعم عنهم، أو تتغير أجندته، ومن ثم قطعا لا يوجد هناك خط رجعة لتلك الوسائل الرخيصة.

الإعلام صناعة عميقة، ولكي تنمو وتزدهر هذه الصناعة وتستدام، فلا بد أن تقوم على أسس مهنية راسخة، متسمة بشمولية المحتوى، قادرة على التأثير لا التأثر، موجهة لا موجهة، تقود ولا تقاد، تبني لا تهدم.

يقول ونستون تشرشل: «ليس هناك أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون، ولكن توجد مصالح دائمة».