هناك بيت شعر شائع بين الناس، وهو:

صلى وصام لأمر كان يطلبه *** فلما انقضى الأمر لا صلى ولا صام

وموضوعنا يأتي تحت سقف مقولة الاحتيال، وكيف يخترع المحتالون سواليف الضحك على الذقون والشوارب كمان.. وكلمة الاحتيال على إرسالها كريهة، وإن بدت الحيلة في بعض المواقف مطلوبة.

وصاحبي «فلان» يحكي لي كيف أنه وقع في شرك المحتالين عدة مرات، ورغم أنه أصبح خبيرا في هذا العلم، لكنه ما زال يوقع فيه كمطبات جدة التي لا مندوحة منها، وتكاد تنطق في كل خبطة وخالقك ما فارقك.

والحقيقة أن ظاهرة الاحتيال أصبحت شيئا خطيرا ورائجا، ولا أعتقد أن هناك ابن أمه وأبيه، من لم يمر عليه حيال، لأن الاحتيال غدا كالموس يمسح كل الرؤوس، ولا ينبري واحد ويحتزم بالمقولة صاحبي حيال وأنا أحيل منه، فقد ولى زمانها، فالحيلجية أصبحوا محترفون ودهاة، والتحايل بات علما يدرس ويورث، وأهم أدوات تعليمه الخبث وحرفنة النصب، ومن بعد تأتي الخبرة والجرأة على الحق، وعدم القناعة، وأضيف لها رأس البلية إبليس، ولو أني سمعت أن إبليس متوار خجلا هذه الأيام وقاعد يكش الذباب، لأنه قد ضحك عليه واحد آدمي متشيطن، خلاه يهدأ لمدة دقائق عندما شغل له أغنية ما تبغي تهدا تروق وتبطلك دي العمايل، طلع إبليس هذا واحد رومانسي، وقعد يسمع الأغنية ويتهزهز عليها كما حال بعض من يتهزهزون في بعض ملاهي «الخارج» وكثير منهم شيبان ويصح معهم القول «الدب لما يرقص يقتل سبعا أو ثماني أنفس»، المهم انضحك على إبليس ولا ينفع الكلام، وقام بمهمة الأبلسة نيابة عنه الآدمي المتعفرت.

لقد تفنن المحتالون بدءا من رسائل الجوال بأن هناك فرص استثمار مليونية، ومع الأسف يستغلون أسماء لامعة، إن كان من وجهاء المجتمع، أو نجوم الفن أو الرياضة، وينشرون عنهم أنهم اغتنوا من هذه الشركات، ومع مزيد من الأسف لا يكذب أحد من هؤلاء تلك الإعلانات، وفي رأيي أنهم يتحملون جزءا من المسؤولية على الأقل الأدبية فلمَ هم سكتم بكتم؟

ومن ضمن الأساليب أيضا تأتيك رسالة، بأن بطاقتك تم إيقافها، حتى تتصل بهم وبعدين جيبك ما يشوف النور، واستناني إذا تحصل قرش، أو حتى لعفة بعد دقائق في حسابك، هذا إذا كان عندك فلوس، وطبعا في هذه الأيام الذي عنده كاش يعد من الأمم المنقرضة.

أما في العقار والحيل التي يأتي بها هؤلاء المحتالون فخذ وخلي، يعني عد ولا حرج، فالكذب أصبح هو العنوان المفضل، فهم يسرحون ويمرحون لترويج مثلا أن هناك صكا وفقط يحتاج أرضا نحييها ثم يطبق عليها.. طبعا القصد سحب أموال منك بادعاء إحياء الأرض، وهذه ألاعيب وضرب من الفساد والطرق الملتوية.

ويبدو لي هذا الموضوع يحتاج في الوقت الحاضر إلى مجلدات قد توفي الموضوع بعض حقه، وقد نضيف عنه مقالا ثانيا ونقول لكم ذلك مقدما حتى نحتال عليكم لتقرأوا لي مقالي القادم.

أيضا حذار أن تقع في براثن من يقول لك إن هناك تعاملا مع البنك في عملية يسمونها تريدنج، أو إخراج ضمان من البنك بمئة مليون مثلا، وعشان الإجراءات الإدارية مطلوب فقط مليوني ريال مقدما، وبعدها يا مدور المكسب رأس مالك لا يضيع.

عموما يقول صديقي فلان فتح عينك تأكل ملبن، ثم يضيف ايش رأيك أحكي لك قصة قديمة عن الحيل وكيف تمر على أكبر «الرووس»، قلت له طيب ويا ليتها كمان على أكبر الأمريكان، ضحك وقال إنت دائما تحب تلوع في الكلام، «وتسخر»، والمهم قال مما يروى عن الحيل والمحتالين، يحكي أن ملك الإسكندرية كان قد بني منارة عالية في البحر بعيدة عن المدينة بعض الشيء، وأدخل في بنائها المغناطيس لكي تجذب إليها السفن العدوة فتحطمها، وإلا أنها تصدر صوتا فتنبه المراقبين الذين بدورهم ينبهون أهل المدينة فلا يؤخذون على غرة ولا غرتين، فاحتار الروم في أمرهم حيث لم ينجحوا في غزو الإسكندرية مطلقا، فأرسلوا أحد رجالهم الموصوفين بالذكاء، وهو يجيد العربية، فجاء إلى المدينة وسكن بجوار المسجد، وأصبح طول وقته في صلاة وعبادة، ولم يكن مسلما وسمى نفسه «سلوم» وقد أحضر معه كمية من الجنيهات، ودفنها في أماكن متعددة وأصبح يهب الناس الأموال، حتى سمع عنه الحاكم فقربه، فظل يخبره أن هناك ذهبا في ذلك المكان، فيرسل الحاكم فيحضر المال من هذا المكان وذاك، وهكذا استمر الحال عدة أشهر، إلى أن مرة احتاج الملك أموالا كثيرة. فقال له سلوم إنها موجودة فقد وضعها من قديم تحت موقع تلك المنارة، فأمر الحاكم بهدمها وطبعا هاجمت سفن المعتدين المدينة، فقد كانت بانتظار تلك اللحظة، واستولت عليها، وقد قال هذا المحتال حينها وهو يقهقه على بلاهة ذلك الحاكم:

صلى وصام لأمر كان يطلبه *** فلما انقضى الأمر لا صلى ولا صاما

سلوم ما زاد في الإسلام خردلة *** ولا ترهبن في أمر ولا قاما

إضاءة:

بمناسبة رمضان. كل عام وقادتنا ووطني بخير وعساكم قرائي الأعزاء من عواده.

نلتقي إن شاء الله بعد العيد.