وأنت تقرأ سطور هذا المقال ستصلك رسالة على واتساب مفادها «بأنه في حال شربت على الفطور ماء باردا فإن كبدك سيصاب بتليف». وأثناء تصفحك لتويتر ستصلك رسالة مماثلة حول نصيحة صحية تقول «إن المشي قبل موعد الإفطار كفيل بمعالجة المتاعب والأمراض كافة»، دون أن يكون لها مرجعية من مختص، أو دون الاكتراث بالوضع الصحي للموجهة إليه النصيحة، مثل أن تنصح مريض السكري بأن يزاول النشاط الرياضي صائما. الحديث هنا ليس عن المعلومات المغلوطة أو ناشرها، بل سيذهب لأبعد من ذلك وهو مدى تبني الناس لتلك المعلومات وجعلها مسلمات لا يمكن المساس أو التشكيك بها، وللتأكد من ذلك قم بشرب ماء بارد بعد إفطار اليوم، وستجد ممن حولك من سيقول لك تلك المعلومة.

المعادلة تبدو غريبة بعض الشيء، هناك رغبة لدى الأفراد بأن يكون لديهم وعي، والالتزام بقواعد الإرشادات الطبية والصحية، غير أنهم في الوقت نفسه، لا يكلفون ذواتهم بالبحث عن مصدر المعلومة، أو الغوص في تفاصيلها، بل يريدون معلومات ووعيا على هيئة كبسولات سهلة الهضم.

الإشكالية القائمة الآن ليست في جانب اللاوعي، وإنما تتجلى في جانب الوعي الزائف. فلو عدنا إلى عقدين من الزمن أو أكثر، سنجد هناك حالة من الجهل في السلوك الغذائي والصحي في رمضان، أما الآن فالوعي موجود ولكن وفق معلومات ومحددات مغلوطة.


قضية الوعي الزائف لا تقتصر على المعلومات الصحية في رمضان، بل نطاقها أوسع من ذلك بكثير. ففي كل المجالات نجد أن أشخاصا يدخلون في نقاشات ويحتدمون فيها، وتكون أرضيتهم في النقاش هشة، ومتسلحين بمعلومات سطحية عن الموضوع، والأسوأ أن تكون حقائقهم ومعلوماتهم المستخدمة في نقاشهم مغلوطة.

تتضح هذه الفكرة وتنشط في شبكات التواصل الاجتماعي، وتحديدا في مجموعات واتساب. يجد المشاركون والموجودون في المجموعة أنفسهم أنهم مجبرون أحيانا على المشاركة، ونقل مقاطع فيديو وصور لمعلومات مغلوطة. فشعور الأسبقية ونشوة المشاركة الغريبة والمعلومات الصادمة، طغى على تساؤل بديهي، هل ما نقلته صحيح ومن مصدر موثوق؟.

وتشير دراسة لعالم الاجتماع دانيال ليتل في جامعة ميتشغان إلى أن التعاطي مع أزمة اللاوعي أسهل بكثير من الوعي الزائف، لأنه في المرحلة الثانية تكون الأمور أعقد ويصل البعض منها إلى تشكل ثوابت ومسلمات لدى الشخص، فبالتالي نقاشه حول تلك المرتكزات يعتبر خطا أحمر بالنسبة له في المجالات كافة.

إيجاد حلول لتلك الأزمة مهمة مشتركة بين الأفراد والجهات، الأفراد عليهم البحث والتأكد قبل النقل خاصة في الأمور التي يريدون الحديث عنها أو التعمق فيها، وأيضا يجب أن يكون إطار بحثهم موضوعيا، بحيث يطلعون على الموضوع من جوانبه وأبعاده كافة دون اجتزاء. أما المسؤولية الثانية فهي بشكل أكبر تقع على مؤسسات المجتمع التي تلعب دورا مهما في تكوين الوعي الحقيقي الذي يلامس الواقع، إلا أنه قد يكون زائفا عندما لا يمت للواقع بصلة، فهي قادرة على تنمية الجانب العقلي والفكري واستبداله بمكان التلقين المجرد كما أشار لذلك الفيلسوف الألماني كارل ماركس.