تصلني، كما تصل غيري، مقاطع فيديو يتحدث فيها أصحابها برسائل يرونها رسائل نصح موجهة لولاة أمرنا، وضمنوها بأنهم يتحدثون باسم الشعب أو باسم طائفة منه.

في نظري أن هذا المسلك مخالف للهدي النبوي لما يلي:

1 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه» رواه الإمام أحمد وصححه الألباني.

لاحظ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول «لا يُبْدِه علانية»، وهؤلاء يبدون نصحهم علانية، وينشرونه في الآفاق. أليس هذا المسلك مخالف لهذا التوجيه النبوي؟.

2 - جاء في صحيح البخاري ومسلم أنه قيل لأسامة بن زيد - رضي الله عنه - «ألا تدخل على عثمان فتكلمه؟!»، فقال: أترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم!!، والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه»، وفي لفظ لـ«البخاري»: «إنكم لترون أني لا أكلمه! إلا أسمعكم؟! إني أكلمه في السر...».

فهذا الصحابي الجليل يقول «فيما بيني وبينه» أي: بيني وبين الحاكم فقط، ويقول «أكلمه في السر»، وأصحاب المقاطع يستطيعون أن يكتبوا ما شاءوا، ليصل بسرية، فلماذا يسجلون المقاطع وينشرونها ليسمعها كل أحد في داخل البلاد وخارجها؟!.

إن هذا المسلك، كما أنه مخالف للهدي النبوي، فهو مخالف للعقل كذلك، وبيان ذلك كما يلي:

1. هناك قنوات رسمية يستطيع المواطنون أن يوصلوا صوتهم من خلالها لولي الأمر. كما أن هناك أجهزة حكومية موثوقة ترفع لولي الأمر، فهل من العقل أن يُنصِّب الإنسان نفسه متحدثا باسم الشعب أو بعضه عبر مقاطع تطوف البلدان؟.

2. هل من العقل أن يتهم الإنسان غيره بأنهم بطانة سوء، وأن حاجة الناس وطلباتهم لا تصل إلا من خلال مقاطعه هو؟.

3. هل من العقل أن يتجاهل الإنسان مآلات كلامه الذي سيصل لكل بلد ودولة، وماذا سيبني عليه؟.

4. هل من العقل إلقاء الكلام الذي قد يؤدي إلى الإثارة والتهييج؟.

وفي الختام أقول: ليُعلَم أني أتحدث عن فكرة نشر مقاطع النصح الموجهة للحكام ولا أتحدث عن أشخاص بعينهم، حيث إنني أحاور الأفكار وليس الأشخاص، وأرى أن مسلك نشر مقاطع موجهة للحكام على أنها نصيحة لهم خاطئ وظالم ومخالف للشريعة، وأخشى أن يكون أحد الأسس التي تقوم بسببها الفتن، فإن قال ناشرها: أنا حسن النية، قلنا: ولكن العمل سييء، والنتائج مرهونة بالتصرفات بغض النظر عن النيات، وإن شئت دليلا على ذلك فاقرأ قوله تعالى «وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ»، فمهما كانت النية حسنة إذا حصلت الفظاظة، فالنتيجة «لانفضوا من حولك».

إن كل ما قيل في تلك المقاطع يمكن إيصاله بسرية تامة، وبكل يسر وسهولة، سواء بخطاب أو غيره، ولست هنا أنفي حاجة بعض الناس وما يعانونه، لكن ذلك يمكن إيصاله بالطرق الشرعية والنظامية.