مصطلح (المسرح السياسي) يحاول وصف الترابطات والأحداث السياسية في إطار المسرح. بعيدا عن الواقع السياسي الحديث الذي تكثر فيه الأحداث وتتسع الاتجاهات كلما تقدم الزمن، ومع انتشار وسائل الإعلام والمحللين السياسيين والكتب غير الموضوعية جعلت فهم العمليات السياسية معقدا للباحث المبتدئ.

وصف السياسة في إطار مجازي يسهل على الباحث الجديد فهم أعماق العملية السياسة في العصر الحالي بكثير بعيدا عن الأحداث السياسية المتشابكة والتحليلات السياسية التي ليست مفهومة.

من المهم أيضا فهم الخلفية أو الأرضية الفلسفية التي نستنبط منها الاستنتاجات ونشكلها في أي قالب. الوصف المجازي للسياسة بالمسرح هو وصف أحاول منه إيضاح العديد من التفاعلات المتداخلة في مكان أصغر بكثير من ضوضاء العالم والحروب والدول المتنازعة والتغيرات في الأنظمة السياسية في الدول والتغييرات المستمرة بين خير وشر، والهزيمة والانتصار.

في المسرح تتعدد الفقرات والقصص وكل قصة لها جمهورها الخاص وكل قصة لها بطلها المتميز ومجموعته، تتعدد الأدوار ولكن يبقى المسرح واحدا ويمكن أن نسمي المسرح بـ(الوطن) الذي تتعدد أحزابه ومجموعاته وتتعدد مكوناته السياسية وكل مجموعة لها بطلها الخاص وقصتها الخاصة ونجمها الساطع. إذا تحدثنا عن مسرح واحد فكأننا نتحدث عن دولة واحدة تتعدد فقراتها التاريخية بين فترات إقطاعية وملكية ورأسمالية وكل فترة لها بطلها الخاص بطل الرواية أو الأيديولوجية الجديدة التي ستوجه الشعب والوطن.

من هم الفاعلون في المسرح السياسي ودورهم فيه؟

التاريخ مهم لفهم الأحداث وإدراك العوالم التي عاصرناها وهذه خصائص العلوم الاجتماعية التي تدرس سلوكيات البشر ودوافعهم بين أفراد ومجموعات ومؤسسات ومنظمات. ولكن كل هذه القصص تتغير بين الماضي والحاضر عن طريق بعض الأفراد والمجموعات القادرين على تشكيل الوعي الجماهيري عن طريق الكتب والإعلام. من المهم أن نفهم كيف أن كل هذه الأحداث تتشكل بما يشبه الصدف ولكن هي في الحقيقة لعبة ذكية في يد أفراد ومجموعات أكثر ذكاء عن باقي المجتمعات، وهذا ما دفعني لمحاولة فهم السياسة من منظور اقتصادي أكثر وسياسي أعمق، فالقصة لا تقف عن حدود المسرح والممثل ومالك المسرح بل حدودها أوسع بكثير.

تتشكل الدول الحديثة اليوم من عدة جهات فاعلة توجه دفة الدولة تسمى (الدولة العميقة)، هذه الجهات ليس لها ارتباط ديني ولا أيديولوجي ولكن لديها مصالح اقتصادية ومن أجل الحفاظ على هذه المصالح الاقتصادية يجب توجيه الشعب بطرق مختلفة، الجهات الفاعلة في الدولة العميقة تتلخص في:

أصحاب المصالح الاقتصادية الذين هم رجال الأعمال والتجار، الجيش الذي يحمي الدولة التي بها الموارد، الاستخبارات وأجهزتها وأهمها الإعلامية التي توجه وعي الأفراد. تأثير المسرح السياسي في الأحداث يؤثر المسرح السياسي والفاعلون فيه، في توجيه الدولة سواء نحو التطور أو الانهيار، كلما قويت مؤسسات الحكومة ضعفت الدولة العميقة، مثل الدول ذات الحكم المطلق، وكلما ضعفت مؤسسات الدولة قويت الدولة العميقة.

ولكن في كلتا الحالتين تحاول هذه الأطراف الحكومة أو الدولة العميقة الحفاظ على مصالحها الخاصة.

من المهم أن نقول إن السياسة سلاح ذو حدين قادر أن يرفع الدولة وقادر أن يحط بها، لذلك لمحاولة فهم الأحداث التي تحصل على الساحة الدولية اليوم يجب أن نحيط بكل جوانب الحياة التي نعيشها من علوم وظواهر اجتماعية ولا نترك شيئا يمر من أمامنا عبثا، ونركز على جوانب كثيرة: سياسية، اقتصادية، اجتماعية ودينية و...... إلخ.

وكلما كان الموضوع أكبر كثرت جوانب بحثه، ولكن في الأخير ما يهمنا كباحثين ومواطنين هو الاستفادة من هذه المعلومات في سبيل تطوير الأمة سواء في الدفاع عنها أو الاستفادة من هذه المعلومات في جوانب تنموية للمجتمع، وليس محاولة معرفة من هو الصائب ومن هو المخطئ فقط .