دخل عمرو بن العاص على معاوية يسأله حاجة، وقد كان بلغ معاوية عنه ما كرهه ؛ فكره قضاءها وتشاغل.

فقال عمرو: يا معاوية؛ إن السخاء فطنة، واللؤم تغافل، والجفاء ليس من أخلاق المؤمنين! فقال معاوية: يا عمرو؛ بماذا تستحق منا قضاء الحوائج العظام؟

فغضب عمرو وقال: بأعظم حق و أوجبه؛ إذ كنت في بحر عجاج؛ فلولا عمرو لغرقت في أقل مائة و أرقه؛ ولكني دفعتك فيه دفعة فصرت في وسطه، ثم دفعتك فيه أخرى، فصرت في أعلى المواضع منه؛ فمضى حكمك، ونفذ أمرك وانطلق لسانك بعد تلجلجه، وأضاء وجهك بعد ظلمته.

فتناوم معاوية، وأطبق جفنيه مليا، فخرج عمرو، فاستوى معاوية جالسا، وقال لجلسائه: أرأيتم ما خرج من فم ذلك الرجل! ما عليه لو عرض!

ففي: التعريض ما يكفي، ولكنه جبهني بكلامه، ورمانی بسموم سهامه.

فقال بعض جلسائه: يا أمير المؤمنين، إن الحوائج لتقضي على ثلاث خصال: إما أن يكون السائل لقضاء الحاجة مستحقا، فتقضي حاجته بحقه، وإما أن يكون السائل لئيما فيصون الشريف نفسه عن لسانه، فيقضي حاجته، وإما أن يكون المسؤول كريما فيقضيها لكرمه صغرت أو كبرت.

فقال معاوية: لله أبوك! ما أحسن ما نطقت به! وبعث إلى عمرو فأخبره، وقضى حاجته، ووصله بصلة جليلة. فلما أخذها ولى منصرفا، فقال معاوية: «فإن أعطوا منها رضوا، وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون». فسمعها عمرو، فالتفت إليه مغضبا، وقال: والله يا معاوية لا أزال آخذ منك قهرا، ولا أطيع لك أمرا، وأحفر لك بئرا عميقة إذا وقعت فيها لم تدرك إلا رميا.

فضحك معاوية فقال: ما أردتك يا أبا عبد الله بالكلمة، وإنما كانت آية تلوتها من كتاب الله عرضت بقلبي، فاصنع ما شئت!