لما فتح عمرو بن العاص قيسارية سار حتى نزل غزة، فبعث إليه علجها: أن ابعث إلي رجلا من أصحابك أكلمه، ففكر عمرو وقال: ما لهذا أحد غيري.

فخرج حتى دخل على العلج فكلمه، فسمع كلاما لم يسمع قط مثله، فقال العلج: حدثني، هل في أصحابك أحد مثلك؟ قال: لا تسأل عن هذا! إني هین علیهم، إذ بعثوا بي إليك، وعرضوني لما عرضوني له، ولا يدرون ما تصنع بي.

فأمر له بجائزة وكسوة، وبعث إلى البواب: إذا مر بك فاضرب عنقه، وخذ ما معه.

فخرج من عنده، فمر برجل من نصارى غسان، فعرفه، فقال: يا عمرو: قد أحسنت الدخول فأحسن الخروج! ففطن عمرو لما أراده، فرجع! فقال له الملك: ما ردك إلينا؟ قال: نظرت فيما أعطيتني، فلم أجد ذلك يسع بني عمي، فأردت أن آتيك بعشرة منهم، تعطيهم هذه العطية، فيكون معروفك عند عشرة خيرا من أن يكون عند واحد، فقال: صدقت، أعجل بهم! وبعث إلى البواب: أن خل سبيله! فخرج عمرو وهو يلتفت، حتى إذا أمن، قال: لا عدت إلى مثلها أبدا! فلما صالحه عمرو ودخل عليه العلج، قال له: أنت هو؟ قال: نعم، على ما كان من غدرك !