تمثل «البيروقراطية» أحد أهم معوقات التحول الإداري لدفع عجلة الاستثمار المحلي، وذاك القادم من خلف الحدود. وعندما كشف «مكتب تحقيق رؤية المملكة 2030» عن أن أبرز المعوقات التي تواجه الاستثمار المحلي والأجنبي، فكانت هي «البيروقراطية»، بالإضافة إلى طول مدة الإجراءات، وعدم وجود ربط إلكتروني فعال بين الجهات الحكومية.

هذه الحقيقة لا بد أنها قد باتت تصم الآذان ولا تخفى عن الأعين، وهي، أي هذه المعضلة، تستحق بامتياز أن تكون على رأس أولويات التحول الإداري في المملكة، وأن تكون واحدة من أهم مستهدفات «رؤية 2030».

وكأحد أوجه القضاء على «البيروقراطية» في المملكة، فإن إدارات الحكومة تحتاج إلى ترابط إلكتروني فعال، وسن قوانين وتشريعات تقود إلى تسهيل إجراءات الأعمال إلى الحد الأقصى الممكن، وبدلا من أن تأسيس نشاط تجاري في المملكة يستغرق شهرين، يجب خفض تلك المدة إلى ساعات.

وبينما تسعى «رؤية 2030» إلى خصخصة مجموعة من القطاعات، منها الصحة والنقل الجوي، وسن تشريعات جديدة، للمساءلة العامة، وتحقيق الشفافية في الهياكل الإدارية في المؤسسات الحكومية، وحتى تلك التي ستتم خصصتها، فإن إجراءات كهذه، وإن كان الجانب المالي فيها بارزا، المتمثل في التدقيق الداخلي المنتظم في الإنفاق، ورصد الإنجازات والإخفاقات، فإن من شأنها أن تؤسس لشفافية مؤسسية ذات أدبيات جديدة في إطار العمل الحكومي، وهذا من شأنه أن يوفر مساحة كبيرة للفرق التي ستعمل على التأكد من أن مصطلح «البيروقراطية» في إدارات المملكة قد أصبح ماضيا لن يعود.

من جهة أخرى، ونحن نتحدث عن داء «البيروقراطية» الذي يصبغ الكثير جدا من الإدارات والمؤسسات في المملكة، فإننا لا بد أن نعي حجم هذا الداء حين نتحدث عن حجم الخطوات التي تم وضعها أو تلك التي سيتم وضعها في إطار «رؤية 2030»، للقضاء على هذه الآفة التي لا يمكن لبلد ما أن يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام في حال كانت هذه المعضلة الأخلاقية تنخر في أروقة إداراته ومؤسساته، لتُظهِر تلك الإدارات وكأنها لا تكترث لأخلاقيات العمل الإداري، ومتطلبات الخدمة العامة التي أُسّست لتلبيتها. ومن هنا، فإن العاملين على تنفيذ مستهدفات «رؤية 2030» في «مكتب تحقيق رؤية المملكة 2030» يتحملون المسؤولية الأكبر في كسب الحرب على «البيروقراطية» بجميع أشكالها وأسبابها، في إطار خطة عملية لا بد من تنفيذها على امتداد المملكة وفي جميع إدارات الحكومة، سواء في المدن أو القرى، حيث إن من شأن نجاح المكتب في القضاء على «البيروقراطية» أن يعزز من سمعة المملكة عالميا كوجهة للاستثمار القائم على معايير يطمئن إليها المستثمر، سواء المحلي أو الأجنبي. ستكون «رؤية 2030» بمنزلة اختبار هائل للمملكة أمام العالم، ومن قبل ذلك أمام المجتمع المحلي، فبينما يعلق المواطن السعودي الكثير من الآمال والطموحات على هذه الرؤية الواعدة والاستثنائية في تاريخ المملكة والمنطقة، فإن جهدا، ربما يبدو للبعض أنه سيكون فوق المألوف والاعتيادي، تحتاج المملكة إلى القيام به وتحمُّلِهِ من أجل بلوغ مستهدفات «رؤية 2030»، وعلى رأس قائمتها القضاء على «البيروقراطية».

وعلى المواطن السعودي، أينما كان في مناطق المملكة، أن يدرك أهمية دوره ومشاركته في رصد ملامح تلك البيروقراطية، وأن يكون عينا على الأداء الحكومي، في إطار المسؤولية الوطنية الهادفة إلى الارتقاء بالوطن ومؤسساته في عصر قد باتت «البيروقراطية» فيه تمثل أحد أكبر مظاهر الانحدار والتراجع المؤسسي الذي تعانيه الدول غير المتقدمة.