دخل عبدالله بن صفوان على عبدالله بن الزبير - وهو يومئذ بمكة - فقال: أصبحت كما قال الشاعر:

«فإن تصبك من الأيام جائحة لم أبك منك على دنيا ولا دين» فقال: وما ذاك يا أعرج ؟ قال: هذا عبدالله بن عباس يفقه الناس، وعبيد الله أخوه يطعم الناس، فما أبقيا لك؟ فأحفظه ذلك، وأرسل صاحب شرطته عبدالله ابن مطيع وقال له: انطلق إلى ابني عباس، فقل لهما: أعمدتما إلى راية ترابية قد وضعها الله فنصبتماها ! بددا عني جمعكما، ومن ضوى إليكما من ضلال أهل العراق و إلا فعلت وفعلت...

فقال ابن عباس: قل لابن الزبير: يقول لك ابن عباس: ثكلتك أمك ! والله ما يأتينا من الناس غير رجلين: طالب فقه أو طالب فضل، فأي هذين تمنع ! فقال أبو الطفيل:

لا در در الليالي كيف تضحكنا منها خطوب أعاجيب وتبكينا

ومثل ما تحدث الأيام من عبر يا ابن الزبير عن الدنيا تسلينا

كنا نجيء ابن عباس فيسمعنا علما ويكسبنا أجرا ويهدينا

ولا يزال عبيدالله مترعة جفانه مطعما ضيفا ومسكينا

فالبر والدين والدنيا بدارهما ننال منها الذي نبغى إذا شینا

إن النبي هو النور الذي كشفت به عمايات باقينا وماضينا

ورهطه عصمة في ديننا ولهم فضل علينا وحق واجب فينا

ولست - فاعلمه - أولى منهم رحما یابن الزبير ولا أولى به دينا

ففيم تمنعهم عنا وتمنعنا منهم وتؤذيهم فينا وتؤذينا؟

لن يؤتي الله من أخزى ببغضهم في الدين عزا ولا في الأرض تمكينا