للمروءة والأصالة أهلها، يقصدهم الناس ويأنسون بهم وإليهم، وذلك لطيب معشرهم وصفاء أرواحهم المجبولة على العطاء بكل صوره، حيث تجدهم وقد ألان أحدهم جانبه، وبسط معروفه ببيانه وسلطانه وماله وإحسانه، فهو قريب من الناس في الضيق والرخاء، والعسر واليسر، مؤدّّ لحق الله فيهم من الرحمة والعدل، والإحسان إلى كل خلق الله.

إذا ولي شيئًا من أمور الناس كان كالغيث كلما همى أخصبت به الأرض وازدانت، وكان شذاها العَطِرُ أول ما يبتدرك منها، فإن أقمت بها طويلًا أو قليلًا أتاك من خيرها ودرّها ما كفاك وسقاك وآواك..

حين تأتي هذه الأرواح لهذا العالم تعمل بكل طاقاتها لتنعش الحياة من خلال تلك التفاصيل الكريمة والراقية التي تسديها للوجود الإنساني بما يجعل العالم أكثر جمالًا وقيمة، وبما يتيح لكل إنسان أن يعيش مستمتعًا بلحظات عمره، وصولًا لتلك الدرجة من السمو الذي يصنع الفرق في وجدان الخلق وعقولهم، ويرفع درجة الوعي بقيمة الإنسان، ويؤسس لحاكمية الأخلاق الفاضلة على السلوك العام والخاص لكل فرد في المجتمع، ويُحسّن من الممارسات العفوية التلقائية الجميلة دون افتعال أو تظاهر.

وعلى العكس من ذلك تمامًا نجد بعضًا ممن قفز على قطار الحياة، قد أتى كالريح العقيم لا يذر شيئًا إلا جعله كالرميم، فأحال الدنيا قتامة أحلك من لون الغراب، يُضيّق كل واسع، ويزوي كل شاسع، يجعل اليسير عسيرًا والسهل صعبًا، يعشق الكدر والضرر، ويشق على الناس ليله ونهاره، ولو ملك قطع الأرزاق عنهم لفعل، ولو استطاع حجب النور عنهم لما تأخر، منكره قريب حاضر ومعروفه بعيد نادر، يتحاشاه الخلق اتقاء فحشه وغليظ طبعه، فإن ملك من الأمر شيئًا استطال شره، وازداد بغيه حتى يورد الناس موارد البؤس، ويجعل عاقبة كل واحد منهم البلاء والنحس، فلا يرجو أحدٌ منه غنيمة أو خيرًا، ولا ينجو من شره حاضر أو باد، موهوب في اختراع الأزمات، وشوي مصالح الناس على سفود مزاجه الصاعد الهابط في كل لحظة من يومه، فيعطل المصالح ويحسب إنجازه اليومي بكم أطلق من الآهات، وكم استثار من الأعصاب، لا لشيء سوى تغذية تلك السادية المقنعة لديه بالوجاهة الاجتماعية أو قوة المنصب في داخل تلك النفس التي لم يشرق فيها ضوء، ولم تهذبها تربية حقيقية.

إن أفرادًا من هؤلاء على قلتهم يجعلون الكوكب على سعته ضيقًا، والألوان على تعددها وبهائها لونًا حالكًا، يؤخرون تقدم الإنسانية قرونًا للوراء كلما تقدم بهم عدّادُ الحياة يومًا آخر، ولهذا حريٌ أن تُحسب سماتهم البائسة ضمن الإعاقات التي يقف لها العالم يومًا في العام للتنديد بها، ولمزيد حمد الله على العافية من بلائها وبلادة المتصف بها، وحريٌّ بكل من استطاع تجنيب الناس كل أو بعض أذيتهم أن يجعل ذلك من القربات إلى الله التي يرجو نفعها في عاجل أمره وآجله فخير الناس أنفعهم للناس وشرهم من تركه الناس اتقاء فحشه كما قال صلى الله عليه وسلم.