سميت الصحافة «العين الثالثة» أو «الحاسة السادسة»، لأهميتها وقوة مفعولها، وتسمى أيضا «عين العقل» أو «العين الداخلية»، وهي العين غير المرئية التأملية التي توفر إدراكًا يتجاوز الرؤية العادية، تمكن الفرد من اختياراته في الحياة، وتساعد في إيجاد الحلول لمشكلاتها.

والصحافة تساعد على تسهيل متابعة الأخبار والأحداث، وأوضاع مهمة للفرد والمجتمع، ولذا فحينما يكتب الكاتب موضوعا في أي من صحفنا يتضمن نقدا هادفا أو التنبيه على أخطاء، يجب على صاحب الشأن إصلاحها، أو الكشف عن أي أذى يمس المواطن والمقيم، ويجب القضاء عليه أو إزالته، أو عرض فكرة في أمر ما، لما تتضمنه من فوائد، يرى الكاتب ضرورة الأخذ بها، أو أضرار يرى وجوب إبعادها عن الإنسان، أي إنسان إلى غير ذلك.

وهنا يجب على صاحب الشأن أو المسؤول في تلك الوزارة أو الإدارة أو الشركة أو المؤسسة الاطلاع على ما كتب عما يخص وزارته أو إدارته، ليقوم بالواجب الوطني والإنساني تجاه تلك الملاحظات، سواء بالإصلاح أو التعديل أو المتابعة، أو على الأقل ليعلق على هذا الموضوع أو ذاك، بما يتناسب مع الوضع الصحيح، أو تنبيه الكاتب لحقيقة الأمر، إن كان الكاتب وقع في خطأ أو جهل حقيقة ما كتب عنه!؛ لأن الصحافة تسمى أيضا «النافذة الواسعة»، من خلالها يتم الاطلاع على كل ما حول الإنسان وغير ذلك.

ولكن العجيب أن البعض من مسؤولي الوزارات والإدارات الحكومية، أو الشركات والمؤسسات، لا يطلعوا على ما يكتب وينشر بالصحف عما يتعلق بإداراتهم، أو أنهم يتخذون «التطنيش» وسيلة بدلا من الرد، وكأنهم لم يقرأوا ولم يسمعوا، على الرغم من أن البعض من الوزارات والإدارات، وربما أكثرها، لديها متحدث باسمها، مهمته توصيل ما كتب عن تلك الجهة إلى المسؤول؛ليتلقى منه الرد ويتحدث به على الملأ، ردا على الكاتب أو الناقد، إما بالرد والشكر للكاتب، والوعد باتخاذ ما يلزم، أو بإيضاح ما التبس على الكاتب. وسبق أن صدرت توجيهات عليا بضرورة التجاوب أو الرد على ما كتب (فبتاريخ 17/8/1426هـ صدر أمر ملكي - وبتاريخ 27/9/ 1432هـ صدر أمر آخر - وبتاريخ 30/6/ 1433هـ صدر قرار من مجلس الوزراء)، فكل تلك الأوامر تؤكد نظامية النقد وحماية الحق في النقد العلني لمؤسسات الدولة، وأوجبت الرد على نقد المصلحين. وزبدة ما ورد بتلك الأوامر، نرغب منكم التأكيد على الجهات المعنية، كل فيما يخصه، بالرد على ما ينشر في وسائل الإعلام. وفي الأخير، على كل جهة حكومية كتب عنها أمر ينافي الحقيقة المبادرة فورا بالرد، والتجاوب بشكل فوري مع ما ينشر.

هذه العموميات النظامية يدخل فيها سائر أوجه النقد البناء، وليس من حق المسئول في أي إدارة حكومية الاعتراض على النقد، بل يجب الرد طبقا لتلك التوجيهات الثلاثة.

وبعد كل هذه التوجيهات الصادرة من الجهات العليا بالدولة، أتساءل: هل فعلا طبقته الوزارات والإدارات الحكومية فيما مضى أو أنها ستطبقه مستقبلا؟.

أجزم أن عدم التجاوب مع تلك الأوامر غير وارد إن شاء الله، فطاعة ولي الأمر طاعة لرسول الهدى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، وطاعة الرسول طاعة لله، وفي الحديث «من أطاع الأمير فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله».

كلمة أوجهها لكل مسئول: إن النقد ليس الهدف منه النقد فقط أو الإساءة أو التشهير، أبدا بل هو لتصحيح المسارات التي شرعتها الدولة - أعزها الله - لتيسير أمور المواطنين وخدمتهم.

وأخيرا أقول لكل مسئول: هناك كتاب متعاونون، وكتاباتهم ترقى إلى مصاف الكتاب المشهورين ذوي الأعمدة والزوايا، بل إن عيونهم مفتوحة أكثر من غيرهم، ومتفرغون للنقد الهادف أكثر، ولكن قد يكون نصيبهم من الشهرة محدودا، لأنهم هواة متعاونون فقط، ولذا، وحسب تجربتي الطويلة، قل أن يؤخذ بما يكتبون بخلاف كتاب الأعمدة والزوايا الذين سرعان ما يتلقون الردود أو التعليقات من ذوي الشأن، وللموضوع بقية إن شاء الله.