من أشهر الشخصيات الإعلامية القديمة، وخصوصا في شهر رمضان المبارك، الطبيب والفيلسوف والكاتب المصري، مصطفى كمال محمود حسين آل محفوظ، الشهير بالدكتور مصطفى محمود، صاحب الأسلوب العميق والبسيط في آن واحد، ومن آثاره أكثر من 400 حلقة من برنامج «العلم والإيمان»، إضافة إلى 90 مؤلفا، في مختلف المواضيع العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية، ومن أشهرها «الله والإنسان» و «إسرائيل البداية والنهاية» و«حوار مع صديقي الملحد» و«رحلتي من الشك إلى الإيمان» و«لغز الموت» و«لغز الحياة» و«الإسلام.. ما هو..؟».

كتاب «الإسلام.. ما هو..؟»، تحدث فيه الراحل عن أمور متنوعة، ومن أهمها «الدين»، فذكر أنه ليس حِرفة، وأن مجموعة الشعائر والمناسك التي نؤديها بطريقة روتينية مكررة، فاترة خالية من الشعور، ليست من الدين في شيء، فالدين ـ وكما يؤكد ـ حالة قلبية.. شعور.. إحساس باطني بالغيب.. وإدراك بأن هناك قوة خفية حكيمة مهيمنة عليا تدير كل شيء، وله في ذات الكتاب مقالة رائعة تناسب الزمان الذي نحن فيه، وأقصد شهر رمضان المبارك..

في الصفحة 16 من الكتاب المذكور سلفا، بدأ الدكتور مصطفى محمود حديثه عن «الصيام» قائلا: «إن الصيام من الشعائر القديمة المشتركة في جميع الأديان، وهواة الجدل دائما يسألون.. كيف يخلق لنا الله فما وأسنانا وبلعوما ومعدة، ثم يقول لنا صوموا.. كيف يخلق لنا الجمال والشهوة، ثم يقول لنا غضوا أبصاركم وتعففوا.. هل هذا معقول؟.. ـ ويضيف ـ أنا أقول لهم بل هو المعقول الوحيد.. فالله يعطيك الحصان لتركبه لا ليركبك.. لتقوده وتخضعه، لا ليقودك ويخضعك، وجسمك هو حصانك المخلوق لك لتركبه، وتحكمه وتقوده وتلجمه، وتستخدمه لغرضك، وليس العكس أن يستخدمك هو لغرضه وأن يقودك هو لشهواته».

في وسط المقالة البديعة عن الصيام، أشار الدكتور مصطفى محمود، رحمه الله إلى التمرين الأول في رحلة الحياة، وقال: «سخر الله لنا الطبيعة بقوانينها وثرواتها وكنوزها، وجعلها بفطرتها تطاوعنا وتخدمنا، فنحن لم نبذل مجهوداً كبيراً لنجعل الجمل يحمل أثقالنا، أو الكلب يحرس ديارنا، أو الأنعام تنفعنا بفرائها ولحومها وجلودها.. وإنما هكذا خلقت مسخرة طائعة.. وإنما العمل الذي خلقنا الله من أجله، والتكليف الذي كلفنا به، هو أن نركب هذه الدواب مهاجرين إلى الهدف.. إلى الله» إليه وحده في كماله..{يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} ـ سورة الانشقاق ـ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ـ سورة الذاريات ـ.

أختم بتنبيه الفيلسوف الكبير، الدكتور مصطفى حمود، في آخر مقاله، وتوقفه عند واقع غالبنا أو بعضنا اليوم: «الصيام الرفيع.. ليس تبطلاً.. ولا نوماً بطول النهار، وسهراً أمام التليفزيون بطول الليل.. وليس قياماً متكاسلاً في الصباح إلى العمل.. وليس نرفزة وضيق صدر وتوتراً مع الناس.. فالله، سبحانه وتعالى، في غنى عن مثل هذا الصيام، وهو يرده على صاحبه ولا يقبله، فلا ينال منه إلا الجوع والعطش، وإنما الصيام هو ركوب لدابة الجسد لتكدح إلى الله، عز وجل، بالعمل الصالح والقول الحسن والعبادة الحقة، واسأل نفسك عن حظك من كل هذا في رمضان، وستعلم إلى أي حد أنت تباشر شعيرة الصيام!!».. رحم الله الدكتور مصطفى محمود، لقد مر بأزمات فكرية كثيرة، واتهامات عقائدية مختلفة، ولا يمكن أن يفهمه {إلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم}.