كما ذكرت في عدة مقالات سابقة، إن الهدف من فرض الضرائب بجميع أنواعها على أي مجتمع، سواء ضريبة الدخل أو المبيعات، هو إيجاد إيراد للدولة لمواجهة النفقات وميزان المدفوعات، والاستخدامات الأخرى للصرف في جميع المجالات مثل التعليم والصحة والأمن والجيش والبنية التحتية والتنمية، وغيرها من النفقات.

قرأت في جريدة «الشرق الأوسط»، العدد الصادر الخميس 10 رمضان 1442، «دول الخليج تدرس فرض ضريبة على سلع الرفاهية»، حيث تدرس دول مجلس التعاون الخليجي توسعة نطاق «الضريبة الانتقائية» التي فرضتها أخيرا على عدد من السلع مثل التبغ ومشروبات الطاقة والمشروبات الغازية، لتشمل السلع المدرجة تحت تعريف «سلع الرفاهية».

تعد «الضريبة الانتقائية» إحدي الضرائب غير المباشرة التي تفرض على بيع أو استخدام سلعة أو مجموعة معينة من السلع الكمالية أو الضارة بالصحة العامة أو البيئة. للتأكيد، فإن «الضريبة الانتقائية» والضريبة على المبيعات تندرج تحت تصنيف الضرائب غير المباشرة على المستهلك، لكن هناك اختلافا بينهما، حيث إن «الضريبة الانتقائية» تفرض على أنواع معينة من السلع الضارة، بينما تفرض الضريبة على المبيعات على كل السلع والخدمات، باستثناء بعض السلع والخدمات البسيطة التي تعفيها الحكومة، لمسوغات معينة.

السؤال: هل دول الخليج، وبالخصوص السعودية، مجبرة على أن تتوسع في الضريبة غير المباشرة بالسوق السعودي، لزيادة إيرادات خزينة الدولة؟.

المتابع للاقتصاد السعودي يرى أن هناك تطورا في الجانب الاقتصادي والمالي السعودي خلال السنوات الماضية، فأسعار النفط والأزمات المالية المتكررة أدت إلى التفكير في تنويع مصادر الدخل، والعمل على إصلاحات عديدة، حيث إن المملكة مرت بتطورات اقتصادية واجتماعية وسياسية عبر تاريخها الطويل لأكثر من مائة عام.

وقد شملت الإصلاحات قطاعا مهما، وهو القطاع الضريبي في المملكة، إذ تم إقرار «الضريبة الانتقائية» والقيمة المضافة، لتعد «الضريبة الانتقائية» من مصادر الإيرادات المالية البديلة الأكثر استقرارا. يرى فريق من المتابعين أن الإصلاح الضريبي في السعودية أصبح ضرورة، حيث تقتضيه التحولات الاقتصادية والسياسية الدولية التي تمر بها المملكة، فهناك أسعار النفط المرتفعة، وقيادة قوات التحالف في اليمن، وتوسع في الإنفاق العام، مما أجبر الدولة على البحث عن موارد مالية جديدة، تمكنها من تعويض الفجوة السالبة في إيراداتها العامة.

تأتي الضرائب، المصدر الرئيس للإيرادات العامة في معظم دول العالم، كخيار مهم لخبراء السياسة المالية. ويرى المتابعون أن الأسباب التي تجعل الحكومات تتوسع في فرض «الضريبة الانتقائية»، كما ذكرت سابقا، أنها تعد من مصادر الإيرادات المالية البديلة الأكثر استقرارا، وانخفاض تكلفتها السياسية مقارنة بالأنواع الأخرى من الضرائب مثل الضريبة على الدخل.

ونجد أن الأسباب التي جعلت الحكومة تتوسع في فرض «الضريبة الانتقائية» هي أسباب مالية واقتصادية، وأخرى صحية وبيئية، ولو كانت الأسباب المالية هي الدافع الأساسي.

ويرى فريق آخر من المتابعين أن التوسع في «الضريبة الانتقائية» مهم جدا، حيث إن ارتفاع سعر السلع الخاضعة لها قد يؤدي لتقليل الطلب عليها، ومن ثم تقليل استخدامها واستيرادها. بينما هناك أسباب صحية، فهذه السلع تضر بالصحة العامة للمواطنين مثل التبغ ومشتقاته، أو الحفاظ على البيئة من خلال فرض الضريبة على بعض المنتجات والآلات الملوثة للبيئة مثل الضريبة على الوقود والمواد الكيميائية.

وأيضا، فإن هذه الضرائب تساعد الدولة على تطوير البنية التحتية لكثير من القطاعات التنموية، من صحة وتعليم وجيش ونقل وصيانة الطرق، وغيرها من الأمور التنموية.

تعمل المملكة على إستراتيجية تطوير، وإصلاح ضريبي شامل ومنسق مع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث إن العوامل الاقتصادية مشتركة، والدوافع التي يقوم عليها فرض الضرائب الانتقائية متشابهة.

وتذكر الدراسات أن «الضريبة الانتقائية» تمثل مصدرا كبيرا للإيرادات العامة للدول منذ سنوات طويلة ماضية، مثلًا خلال فترة الستينيات والسبعينيات كان ما يعادل 23% من الدول المتقدمة و27% من الدول النامية تفرض هذه الضريبة. اختيار هذا النوع من الضرائب يتوقف على عدة عوامل في كل دولة، ومنها متوسط دخل المواطن، ونوعية ونمط الاستهلاك، لذا توجه دول مجلس التعاون للتوسع عن طريق ضرائب على الاستهلاك سيكون الحل الأمثل، لضمان حصيلة ضريبية كبيرة، خاصة «الضريبة الانتقائية» والضريبة على القيمة المضافة.

أخيرا.. «الوعاء الضريبي» هو المادة الخاضعة للضريبة، والتي تختلف من بلد لآخر، وحسب طبيعة الضريبة المعنية، حيث تختلف القوانين والتشريعات من مكان لآخر، والسلع التي تشملها «الضريبة الانتقائية» بالمملكة هي منتجات التبغ بنسبة 100%، ومشروبات الطاقة بـ100%، والمشروبات الغازية بـ50%، وكلها على سعر بيع التجزئة.

المملكة تعمل وفق نظام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث أقرت المملكة «الضريبة الانتقائية» في 2016م، وتم العمل بها على أرض الواقع بتلك الدول وفقا لقوانينها المحلية، ومن بعدها تم العمل على التطوير والتوسع في هذه الضريبة على وجه الخصوص. مهم جدا أن يكون هناك خط ساخن، وعلى قدر عال من الاحترافية، للرد على أي استفسارات من المواطنين، ولضمان إزالة الغموض عن أي قرار أو مادة من مواد اللائحة الضريبية بجميع أشكالها، التي يُفضل أن يتم طرحها كمسودة، واستقبال ردود المهتمين بها قبل اعتمادها.