الخلاف بين أبناء الأمة الواحدة.. بين الإخوة يؤذي كل فرد فيها، ولا ينتج عنه إلا إرهاق للعقل، ويثقل على القلب والجوارح ويؤلم الروح، إن الفتنة والشقاق والانقسام بين الإخوة خطيرة ومميتة، هناك العديد من أنواع البذور المختلفة التي تؤدي إلى الخلاف بين الإخوة؛ بذرة الكبرياء مثل اعتبار فريق أنه الأفضل من غيره، وبذرة الأنانية مثل أن يرفض الفرد رأي الآخر أو فكره بمعنى طريقي أو لا طريق، وبذور الفتنة التي تخرج دون أي اعتبار وتنمق وترص بكل عناية بحيث تنتشر بسرعة وتنتج حصادًا شريرًا يؤدي إلى التفرقة بين الإخوة، والخطر أنه إذا ما انقسمت الأمة على نفسها فلا يمكن لها أن تصمد، تمامًا مثلما يحدث حين ينقسم البيت على نفسه، فلا يمكن لهذا البيت.. هذه الأسرة أن تقف وتواجه الإعصار!

كيف نعرف من ينشر الفتنة؟ لنطرح السؤال التالي: هل يحرفون الكلمات لكسب التعاطف؟ هل يصفون شكاواهم بأنها «مخاوف»، أم يصورن غضبهم على أنه «إحباط»، أم إحباطهم على أنه «سوء فهم»؟ هل فشلوا في التسامح؟ هل لديهم دائمًا أسئلة، ولكن ليس لديهم أي إجابات أبدًا؟ يزرعون الشك بأسئلتهم! تابع تصريحات من يدّعون حبهم لنا وخوفهم علينا، أو من يؤمنون بأنهم يصنعون خيرًا في رشق التهم على الآخر بأسفه الصفات والشتائم بحجة الدفاع والرد الذي يستحقه الآخر! إنهم بارعون في التحايل والخداع، يتلاعبون بالمفاهيم والأحداث وكأنهم في ملعب كرة قدم تتراقص بين أقدامهم كرات الكراهية، وقادرون على اختراق شبكات المجاميع، وهنا تكمن قواهم التدميرية، ألا وهي القدرة على حشد المؤيدين والمصفقين لهم! إن أردت أن تتعرف عليهم فتابع الأسئلة التي يطرحونها، ثم دقق وستجد أنه في حقيقة الأمر ليست أسئلة، بل تلاعب على المشاعر بالمعلومات وتعتيم مطبق على الحقائق، يدورون حول الموضوع حتى تتشتت العقول، وعندما تحصل التفرقة، وتتم مواجهتهم، هذا إن حصل، يحتجون بأنهم ليسوا سوى مصلحين خائفين على أوطانهم!

من ينشر الفتنة للأسف من قلب الأمة، إخوة يتبادلون التهم والشتائم والتخوين، لم يكلف أحد منهم نفسه بالبحث ليدرس الموضوع ويرجع إلى منبع أو أصل هذه الفتنة، من أشعلها ومن بقي يضيف إليها بكل ما هو قابل للاشتعال!، وبتنا ضحايا لأصوات نشاز تقوم على بث سمومها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهدفها ليس إلا إثارة الفتنة في صفوف الشعوب التي تنتمي إلى أمة واحدة، والهدف واضح وضوح الشمس؛ تحريف بوصلتنا عن الاتجاه الأوحد والصحيح! تصل تلك الأصوات الشاذة ذات الأفكار المنحرفة، ويتم تجاهل صوت الغالبية والذي يؤكد رفضه القاطع لأي إجراءات من شأنها المساس بالوضع التاريخي والقانوني لقدسنا الشريف. ونحن كما ننبذ خطاب الكراهية والتطرف أيًّا كان شكله أو لونه أو مصدره نؤكد الاستمرار في مواجهة خطاب التحريض والتشويه سواء كان من قبل الأفراد أم من قبل بعض القنوات الإعلامية، ومرة أخرى بغض النظر عن مصدرها عربية كانت أم أجنبية، فنحن باقون على العهد والخط الذي رسمه لنا ملوكنا من عبدالعزيز طيب الله ثراه إلى سلمان حفظه الله، وسوف نواظب على نشر قيم المحبة والأخوة بين كافة مكونات أمتنا العربية.

الانتهاكات التي مارستها وتمارسها وستظل تمارسها سلطات الاحتلال الصهيوني بحق إخوتنا الفلسطينيين في الأقصى ومواطني القدس المحتلة مثل ما حدث مؤخرًا في حي الشيخ جراح وباب العامود وغيرها من المدن الفلسطينية لا يقبلها أي ضمير حي، ونحن في المملكة العربية السعودية أصحاب ضمير حي وإيمان قوي وقيادة حكيمة، ولا نحتاج من يشرح لنا أصول القضية ولا تاريخها كما لا نحتاج أن نذكّر بما قدمناه من شهداء منذ بدء العدوان على فلسطين، ومقبرة العمائم الخضراء في فلسطين شاهد على ذلك، وأحداث حرب أكتوبر شاهد آخر ضمن قائمة من الشواهد، فمواقف قياداتنا صارمة وحازمة ولا نحتاج أن نستعرضها، يكفينا أن أقوالهم وأفعالهم ما زالت تتداول بين أيدي وعلى ألسن الشرفاء في هذه الأمة. في النهاية أقول لكل من تسول له نفسه اللعب على الأوتار الحساسة لنشر سمومه وفكره الشاذ كائنًا من كان، نحن قوم إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، ونحن قوم نقتدي بقول الرحمن في كتابه الحكيم «وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا». الآية 53 من سورة الإسراء، وفلسطين ستبقى قضيتنا والقدس في قلوبنا وقبلتنا الأولى شاء من شاء وأبى من أبى، لا تنازل عنها ولا مساومة عليها، فالقدس ليست ملك شعب واحد، بل أمة ولهذا ستبقى تجري في دمائنا ما بقي النبض في عروقنا، ولمن يريد زرع الفتنة بيننا نقول له: قد تخدع القليل، ولكن لن يفيدك هذا بشيء، فأنت تتعامل مع شعب ينتمي لقلب الأمة الإسلامية بقيادة حكيمة متزنة تدرك تماما حجم وتأثير دورها ومسؤولياتها نحو هذا الشرف العظيم، شعب مؤمن قوي واع تفيض روحه إيمانا وتقوى، يده ممدودة للعطاء والمحبة دائمًا وأبدًا، ويشهد التاريخ بأننا لم نقصر أو نتردد أو نتراجع، فنحن لا نبيع ولا نشتري لأن ما نؤمن به غير قابل للمقايضة.