كثيرا ما يُفسر سبب ارتفاع نسبة البطالة بين السعوديين، بأنه نتيجة لضعف مخرجاتنا التعليمية، وأن تخصصاتهم ومستواهم المعرفي، وما يجده الطلاب والطالبات من تدريب أثناء الدراسة، لا يناسب متطلبات واحتياجات سوق العمل، وهذا التفسير والتبرير للأسف نجده يتردد في تصريحات المسؤولين والعامة على حد سواء، حتى أصبحت مقولة مُثبّتة ومتوافقا عليها عند معظم شرائح المجتمع، على الرغم من تضليلها وعدم صحتها بتاتاً، لكونها أُطلقت جزافاً من مسؤولي القطاع الخاص المستفيدين ومن العاملين فيه، لمصالحهم، حتى صدْقّها المسؤولون!

وحيث إن العمالة الوافدة تسيطر على معظم فرص العمل المتاحة في السوق بنسبة تصل إلى نحو %80 في القطاع الخاص«%78.2» وحده، بينما السعوديون لا يمثلون سوى %21.7 من نسبة العاملين فيه، بناءً على إحصاءاتنا في الربع الرابع من 2020، نقول إن مخرجاتنا بمؤهل بكالوريوس تعاني من ارتفاع نسبتها في البطالة بين المواطنين، لأكثر من عشر سنوات مستمرة، لتُسجل نسبة %52.5 من جملة المتعطلين السعوديين في الإحصاء الأخير، ونسبة %56.2 في العام 2015، و%44.2 في 2009، فمن حقنا أن نُجزم ونؤكد بأن سبب تلك التبريرات المضللة، والتفسيرات المبنية على باطل، في التقييم والحكم على أبنائنا وبناتنا وعلى تعليمنا على حد سواء، هو ارتفاع نسبة العمالة الوافدة في السوق واستحواذها على فرص العمل فيه، والذي أدى بها إلى تهميش المواطن وعدم قبوله في سوق العمل!

لا ننكر أن السياسات التنموية اعتمدت في بداياتها على استقدام العمالة الوافدة في المستويات المهنية كافة، لندرتها وطنياً قبل خمسين عاما، ولكن مع تدفق المخرجات الوطنية من مؤسسات التعليم وبمستوياته المختلفة، أصبح لدينا كم كبير من المواطنين/ت الأكفاء، الذين أفرزهم هذا التعليم الذي قام عليه في مراحله الأولى إخواننا من الأشقاء/ت العرب، ثم ما لبث وبالتدريج، أن بدأ الإحلال الوظيفي للمواطنين في المراحل التعليمية الأساسية، في حين ظل التعليم العالي يتقاسم التعليم فيه المواطنون، مع إخواننا الوافدين لصالح الطرف الأخير، بسبب سياسات الجامعات الجامدة ولمصالح - لا يتسع المجال لذكرها - على الرغم من الأخذ في الاعتبار بأهمية الإثراء العلمي، والتبادل المعرفي المطلوب في التعليم.

أنفقت الدولة المليارات التي لا تعد ولا تحصى على التعليم، منذ نحو خمسة عقود، وشمل ذلك التعليم الداخلي والابتعاث الخارجي، و أثمر هذا الانفاق السخي والمسؤول، عن عدد كبير من الكفاءات الوطنية المتميزة ذكوراً وإناثاً، والذين ساهموا في وضع اللبنات التأسيسية لمؤسسات الدولة ومنشآتها، في مراحلها الأولى واللاحقة، وقد تميزوا بقدرات ومعارف مكنتهم من القيادة والعمل تحت المظلات المؤسسية، بجميع المستويات الوظيفية والمهنية، سواء في القطاع الحكومي، أو القطاعات المشتركة ما بين الحكومة والقطاع الخاص.

وبفضل من الله ثم بفضل جهود كريمة بُذلت من أجل تطوير التعليم، وتحسين مخرجاته، يهتم النظام التعليمي بالأخذ بالنظريات التربوية الحديثة، وبالرؤى الدولية والنظريات والدراسات المتجددة، نحو الارتقاء بالعملية التعليمية وسياساتها ونظامها، وبجميع ما يتعلق بها من مكونات، حتى تصدرت السعودية في مستوى مخرجاتها التعليمية جميع الدول العربية، وغيرها من بعض الدول الآسيوية النامية، التي تشاركها في التقييمات والاختبارات الدولية، للمنافسة الشريفة ولتقييم مستوى التعليم ونظامه المنفذ في الدول المختلفة، بل وبزغ نجم الكثير من مخرجاتنا التعليمية الشابة في مختلف التخصصات العلمية المتداولة عالمياً، بمبادرات ودراسات وأبحاث عالمية رائدة، علاوة على ما تحتله بعض مؤسسات التعليم العالي من مراتب متقدمة في التقييمات العالمية، مقارنة بالجامعات العربية المناظرة، وكثير من جامعات الدول الآسيوية النامية.

السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة، هل نصدق بأن تعليمنا هو الأسوأ؟! ولماذا نتداول ونردد دوماً بأن مخرجاتنا التعليمية، هي دون مستوى متطلبات سوق العمل واحتياجاته التدريبية؟!، بينما نستقدم العمالة من تلك الدول التي تَفُوّقْ عليها تعليمنا ومخرجاتنا بالمعايير الدولية، وبما نشهده من منجزات غير مسبوقة لكوادرنا الوطنية، وبما لدينا من مكتسبات ومقدرات نعتز بها ونفخر، والذي توثقه المؤسسات الدولية المتخصصة، والشهادات العلمية وتقديرات التميز والإبداع المستمر.

لا ننكر أننا نتطلع لتعليم أفضل ولأداء أكثر تميزاً، ولسياسات أعمق في تجويد التعليم ومخرجاته، بل وفي جميع ما يتصل بمكونات المنظومة التعليمية من تحسين وارتقاء منظم، وإننا في نقدنا البناء لتعليمنا، إنما نستهدف الارتقاء إلى مستوى طموح رؤيتنا 2030 وما يحقق آمالنا كمواطنين، لنكون من الدول المنافسة للدول المتقدمة في تعليمها المتميز، وليست النامية التي ما زال تعليمها دون المستوى الذي نرتضيه؛ بل لننافس به الدول المتقدمة والدول النامية، التي نجحت وبرعت في تحقيق نقلة نوعية في تعليمها ونظامها التربوي المبدع، بما تنتهجه من نهج تربوي وسياسات تعليمية مكنت مخرجاتها من تصدر المراتب الدولية.

مكتسباتنا الوطنية التنموية على جميع المستويات، هي ثمار تٌقطف خيراتها ويٌستثمر عطاؤها وريعها، بعد عقود من الجهود والإنفاق السخي، لنحصد السعودية اليوم، ضمن مجموعة العشرين التي تمثل الدول الأكبر اقتصادا على مستوى العالم، والتي تتحمل مسؤولية تنمية الدول الأخرى، ولتكون السعودية اليوم هي الرائدة والمتمكنة على مستوى دول المنطقة العربية والشرق الأوسط، والراعية لكثير من المتطلبات التنموية للدول الإسلامية وغيرها.

ما يروج له من مفاهيم مضللة عن مخرجات تعليمنا، وما التصق بأبنائنا من صفات كاذبة، تشوه مستوى تعليمهم وتدريبهم، وتفقدهم الثقة بأنفسهم، نجده - للأسف - ذاته في العمالة التي تُستقدم للوطن وهم في معظمهم، لا ينافسون المواطن في كفاءته، وبعضهم حتى في تدريبه ومستوى تعليمه. وإذا كان التدريب هو العقبة، فهذه مسؤولية وزارة الموارد البشرية ووزارة التجارة، في تنفيذ مستهدفاتنا الوطنية، بإلزام القطاعات بتدريب المواطنين، لتمكين جميع مخرجاتنا في مؤسسات الدولة بجميع قطاعاتها، إجبارا وليس خياراً، فالوافدون يتدربون لدينا، فلماذا نعجز عن تدريب أبنائنا؟ هل ندفع بهم للهجرة الى تلك الدول أو لغيرها للتدريب؟.

كُفّواْ عن تداول أكذوبة ضعف مخرجاتنا، أو عدم مناسبة تخصصاتهم لحاجة السوق، فالسوق مليء بأمثالهم من المؤهلات، والأقل منها كفاءة وتدريبا، ولكن يحتاج المواطن إلى وعي مسؤول، وإلى لوائح عمل ونظام تجاري يدعمه، ويستند إليه ليحميه ويُمكنه.