فنجان قهوة وسيجارة، وتأمل فى نجوم ليلة بغدادية، غابت عنها الأضواء بسبب انقطاع الكهرباء، والتفاتة إلى الشوارع المكتظة بالمارة، بعد أن هجروا بيوتهم يستنشقون نسمات الصيف الحارة، ونسوا أو تناسوا أن «كورونا» تسير بينهم، وتسريبات من المطبخ السياسي، تجعلك تظن حينها أن.. لا انتخابات مبكرة!.

بعض الساسة فى العراق يحتاجون لمن يرمي حجرا فى مياههم الراكدة، حتى تظهر نواياهم فى فلتات ألسنتهم، فيهرعون إلى التصريح بما يخفونه فى قلوبهم، وما يضمرونه من خطط يقف عندها الشيطان مذهولا متسائلا: من أين تعلموا هذه الحيل؟ وكيف خطرت فى بالهم تلك الخدع؟، لكنه حين يعلم أنهم من تجار السياسة، التي لا ضابط قانوني فيها ولا التزام دستوي، يقول لهم: ويلكم لقد سبقتموني!.

ما إن صرح السفير البريطاني بأن الأجواء غير مهيئة للانتخابات المبكرة، حتى ظهرت أصوات تطالب بتأجيلها أو مقاطعتها تحت ذرائع كثيرة، ربما يكون بعضها واقعيا وحقيقيا، لكن أغلبها من أجل التمسك بالسلطة والبقاء أطول فترة ممكنة، ولو كان على حساب الاستحقاقات الدستورية، وإن استدعى ذلك إثارة الأزمات والمشكلات والعراقيل التي تعطل إجراء الانتخابات فى موعدها المعلن، بعد أن تم تأجيلها سابقا.

الحكومة من جانبها أعطت تطمينات بأن الانتخابات فى موعدها المحدد، لكنها إلى الآن لم تقدم البراهين الحقيقية لالتزامها بهذا الموعد، فالمتابع للإجراءات الحكومية يرى أنها تسير مثل السلحفاة، وكأنها تريد أن تضع الشارع الراغب فى الانتخابات أمام الأمر الواقع بضرورة تأجيلها للعام القادم، بل ربما سنشهد توترات أمنية فى بعض المناطق الرخوة - كما جرت العادة سابقا - كلما اقتربنا من موعدها، ومن ثم يكون التأجيل واقع حال لا مناص منه، وعلى المتضرر الرضوخ للأمر الواقع.

الأمن الانتخابي يكاد يكون مقلقا ومرتبكا، فإلى الآن لا يستطيع المرشحون التواصل مع الناخبين فى بعض المناطق، وإن استعان بعضهم بعتمة الليل للتواصل مع أنصاره، فكثير منهم لا يأمن على نفسه حين الخروج إلى الشارع، وما حدث فى «الطارمية» شمال بغداد من اغتيال أحد المرشحين خير دليل على ذلك، ونحن ما زلنا لم نصل إلى عتبة الدعاية الانتخابية بعد، خاصة أن التنافس الانتخابي سيكون فى مناطق محددة بحسب القانون الانتخابي الجديد.

كثير من الدوائر الحكومية ما زالت مغلقة فى محافظات الوسط والجنوب بسبب عجز القوات الأمنية عن تأمين الحماية لها، فيكفي عشرة أشخاص يأتون على دراجاتهم ويتظاهرون أمامها، ليتم إغلاقها بذريعة أنهم متظاهرون، أو المطالبة بتوفير الخدمات والتعيينات، وما يحدث فى «الناصرية» و«الكوت» و«بابل» خير دليل على ذلك، فكيف ستحمي هذه القوات المراكز الانتخابية؟ وكيف سيتمكن الناخب من القدوم إلى هذه المراكز والإدلاء بصوته بكل حرية ودون خوف؟.

الواضح أن الحكومة لم تتخذ أي إجراء فى هذا الشأن، ولا تريد الإجابة أصلا عن هذا السؤال!. بعض الكتل السياسية الكبيرة لا تريد التفريط فى مكاسبها الحالية، وإن علا صوتها بالمطالبة بإجراء الانتخابات المبكرة، وبعض الأحزاب والحركات، التي ظهرت بعد أحداث تشرين، تشعر بأنها لم تنظم أمرها بعد، وأن خسارتها ستكون محققة، كونها لم تحقق مكاسب شعبية وجماهيرية تمكنها من الوصول للحكم، والحكومة من مصلحتها البقاء فى السلطة لأطول مدة محددة، وكل ما يتطلبه الأمر هو إشعال فتيل الأزمات، وإثارة المشكلات التي تعطل إجراء الانتخابات في موعدها المحدد. واضح أننا بدلا من السير نحو إجراء الانتخابات، فإننا ماضون إلى تأجيلها «وما أضمر أحد شيئا إلا ظهر فى فلتات لسانه وصفحات وجهه»، وما كان مخفيا صار يظهر رويدا، فالقوم فى السر ليسوا القوم فى العلن.