قال الشيباني: جلس «المأمون» يوما للمظالم، فكان آخر من تقدم إليه - وقد هم بالقيام - امرأة عليها هيئة السفر، وعليها ثياب رثة، فوقفت بين يديه، وقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فنظر المأمون إلى يحيى بن أكثم، فقال يحيى: وعليك السلام يا أمة الله. تكلمي فى حاجتك، فقالت:

يا خير منتصف يهدى له الرشد ويا إماما به قد أشرق البلـد

تشكو إليك عميد القوم أرملة عدا عليها فلم يترك لها سـبد

وابتـز مـني ضـياع منعتها ظلما وفرق مني الأهل والولد

فأطرق «المأمون» حينا، ثم رفع رأسه إليها وهو يقول:

فى دون ما قلت زال الصبر والجلد عني وأقرح مني القـلب والكبـد

هـذا أوان صلاة العصر فانصرفي واحضري الخصم فى اليوم الذي أعد

لمجلس السبت إن يفضى الجلوس لنا ننصـفك منـه وإلا المجلس الأحد

فلما كان يوم الأحد، فكان أول من قدم إليه تلك المرأة.

فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.

فقال: وعليك السلام. أين الخصم؟

فقالت: الواقف على رأسك يا أمير المؤمنين، وأومأت إلى العباس ابنه.

فقال: يا أحمد بن أبي خالد خذ بيده فأجلسه معها مجلس الخصوم،

فجعل كلامها يعلو كلام العباس.

فقال لها أحمد بن أبي خالد: يا أمة الله إنك بين يدي أمير المؤمنين وإنك تكلمين الأمير، فاخفضي من صوتك.

فقال المأمون: دعها يا أحمد، فإن الحق أنطقها وأخرسه

ثم قضى لها بِرَدِّ ضيعتها إليها، وظلم العباس بظلمه لها، وأمر بالكتاب لها إلى العامل الذي ببلدها أن يوغر لها ضيعتها ويُحسن معاونتها، وأمر لها بنفقة.