في مقالي الفائت ألمحت إلى «المؤتمر الدولي الخامس لأمراض وجراحة القلب»، الذي نظمه مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة، قبل 15 سنة، وذكرت ورقة علمية قدمتها فيه عنوانها «الحق في الحياة»، وتطرقت يومها لموضوع «التبرع بالأعضاء»، والذي تناولته الأسبوع الماضي، وتطرقت ذلك اليوم أيضا لموضوع «الاستنساخ»، وطرحت سؤالا فهمه البعض، ولم يفهمه الأكثرية، وصار للأمر تبعات بعضها شخصية وبعضها إعلامية؛ وسنحت اليوم فرصة بعض التوضيح لهذا الموضوع الحساس.

السؤال وبالنص كان: «هل من حق الانسان الذي حرم من الإنجاب أن يلجأ لهذه الوسيلة العلمية الجديدة -الاستنساخ- لكي يستنسخ من نفسه ابنا أو بنتا، خاصة أن أمر الاستنساخ ما زال يبحث حاليا في المجامع الفقهية، مع إقراري بأن سبل الإنجاب لا بد من أن تستنفد قبل الاستنساخ، والحمد لله أن التقدم العلمي يأتينا دائما بجديد؟»، وقلت إن «من الحق في الحياة؛ حق الزوج والزوجة في الإنجاب، والسعي إلى ذلك بالوسائل الطبية؛ في حال قيام الزوجية».

من فهم الطرح ـ كما أريد ـ فهم منه طرح «رأي» عن إمكانية لجوء مرضى العقم لاستنساخ أولاد من أنفسهم، بعد أن بات ذلك ممكنا من الناحية العلمية، «ولكن» بعد استنفاد جميع محاولات الإنجاب الأخرى، ومن فهمه ـ كما يريد ـ فهمه «الفتوى» بتجويز الاستنساخ الكلي الجسدي، والذي يسمى «الخلوي»، وهو الذي يكون بطريقة أخذ خلية جسدية حية من المراد استنساخه، ودمجها ببويضة منزوعة النواة -حامض (DNA)ـ للحصول على صورة مطابقة للأصل شكلًا؛ وهذا -عندي- جناية في حق الحياة، وضرب من ضروب الإفساد في الأرض، وإهلاك للحرث والنسل.

مسألة طلب الولد عن طريق الاستنساخ المطروحة، فرضتها وجود حالات لا بأس بها من حالات العقم الكلي لدى بعض الرجال، حاولوا معالجة أنفسهم عن طريق التلقيح الصناعي، ولديهم رغبة شديدة في الذرية، وتبيَّن طبيًّا بالدليل القطعي عدم جدوى معالجتهم عن طريق التلقيح الصناعي، وليس أمامهم إلا الاستنساخ الجسدي -آخر الدواء الكي؛ عن طريق أخذ خلية جسدية من الزوج الشرعي بدلًا من الخلية الهرمونية، ونزع نواة ببويضة الزوجة الشرعية، ودمج الخلية الجسدية من الزوج في البويضة المفرَّغة للزوجة، وإعادة البويضة المخصَّبة بخلية الزوج لرحم الزوجة الشرعية نفسها، وملاحظة سيْر نمو هذا الجنين، وبذلك يتحصلان على جنين عن طريق خلية جسدية تحمل كامل الصبغيات؛ أي 46 من الزوج وحده، بدلًا من الجنين الذي يأتي عن طريق الخلية الجنسية 23 صبغيًّا من الزوج، ومثلها من الزوجة.

بطبيعة الحال، لن يسلم بهذه الفكرة الكل، ولكن التأمل فيها قد يغير «الرأي»؛ لا سيما وأن بعض الفقهاء أجازوا الاستنساخ الجزئي «الأعضاء البشرية»، بل ندبوا إليه، وأجازوا الاستنساخ الجنيني «الجنسي» -لا العادي- إذا كان بين الزوجين فقط، لأنه يتم حسب المنهج الطبيعي للتناسل بينهما، وعملية فصل الخلية عن أختها التي تتم بهذا الأسلوب العلمي ليس فيها من حيث المبدأ، مخالفة لشرع الله تعالى، وغرس إحدى هذه الخلايا في الرحم لتواصل مسيرتها الطبيعية بإذنه سبحانه، ليس فيه مخالفة للشرع أيضًا، وفي كل الأحوال يتوجب دوما التذكير بوجوب ألا يخطر في الذهن، أو يرد على البال أن ما سيحدث هو بقدرة البشر، لما في ذلك من خلل عقدي بيِّن.