فما الذي تغير بعد المواجهة الأخيرة؟! لم تختلف المواجهة الأخيرة بين الفلسطينيين في غزة والكيان المحتل، من حيث أسبابها وكيفية بدايتها، فاعتداءات المستوطنين المحمية بقوات المحتل، ومحاولات لاغتصاب مزيد من الأراضي، وخصوصا في القدس، ورد فعل غاضب وتراكمات لعشرات السنين، من القتل والتهجير والعقاب الجماعي، فكانت المواجهة نتيجة حتمية بين فصائل المقاومة الفلسطينية والكيان الغاصب..
كالعادة كانت مواقف الغرب، منافقة وتميل لمصلحة الكيان المحتل، فيما كانت مواقف العرب تكتفي، ببيانات «شجب واستنكار وإدانة»، وهو أكثر ما يبدوا أن حكامنا يجيدوه ومنذ عشرات السنين، ومن تجرأ منهم وتشجع فقد أقام مهرجانا تضامنيا، تذاع فيه الأغاني الحماسية والأناشيد التي يتمايل ويرقص عليها شبابنا. رغم تشابه البدايات، لكن ما بعدها وخواتيهما ونتائجها اللاحقة اختلفت بشكل جذري، وربما يصح أن نقول إنه هائل.
فرغم التخريب والتدمير وعدد الضحايا المرتفع من الجانب الفلسطيني، وتواضعه من الجانب الإسرائلي، من حيث الضرر الملحق أو الخسائر، لكن ما اختلف كثيرا هنا، هو تغير معادلة الصراع، واختلاف ما يصطلح عليه «بتوازن الرعب».. ودخول عوامل مؤثرة جديدة في معادلة الصراع.
من الواضح أن رد المقاومة الفلسطينية، على أي اعتداء إسرائيلي لن يكتفي مستقبلا باحتجاجات أو قذف حجارة، بل سيكون هناك صواريخ يمكنها الوصول لأي مكان.. ورغم أن منظومة «القبة الحديدية» نجحت في إسقاط ربما «90%» من تلك الصواريخ كما ينقل، لكن ما نجح في الوصول كان كافيا لإفزاع الإسرائيليين، ناهيك عن الكلفة العالية لذلك، وتأثيرها المدمر في الاقتصاد والسياحة وصورة الدولة التي تحاول أن تسوق نفسها «كجنة صغيرة في الشرق الأوسط» ومعروف مصدر تلك الصواريخ، ومن أوصلها لأيدي المقاومة الفلسطينية، أو زودهم بتكنولوجيا تصنيعها..أليس كذلك؟.
العامل المهم الآخر هو انتقال القضية الفلسطينية، من كونها واقعيا وبشكل عملي تخص العرب وحدهم ولعشرات السنين وتحولها لقضية تخص المسلمين .
ولتستمر كرة الثلج في النمو.. يقال إن السياسة لا ثابت فيها، وتتقلب بتقلب الظروف وتغير المصالح.. والقضية الفلسطينية ليست مسالة بسيطة أو محلية أو إقليمية حتى، ويمكن حلها بحروب أو معاهدات سلام فحسب، فهي أعقد من ذلك بكثير، ومهما نجحت القوى الكبرى في أوقات سابقة، أن تميع القضية وتفقدها زخمها وتأثيرها، وتدفنها تحت تراب التطبيع أو معاهدات سلام، أو تجعلها مسألة تخص «الفلسطينيين» أو حتى «أهل غزة» وحدهم، فهي لن تنجح.. فالأمور قبل حرب غزة الأخيرة لم تعد كما بعدها.