قال وهب بن ناجية الرصافي: كنت أحد من وقعت عليه التهمة في مال مصر أيام الواثق، فطلبنى السلطان، حتى ضاقت على الرصافة، فخرجت إلى البادية مرتادا رجلا عزيز الدار، منيع الجار، أعود به وأنزل عليه. فبينما أنا أسير إذ رأيت خياما، فعدلت إليها، فملت إلى بيت منها مضروب، وبفنائه رمح مرکوز، وفرس مربوط؛ فدنوت فسلمت، فرد على نساء من وراء السجف، وقالت لى إحداهن: اطمأنت يا حضرى، فنعم مناخ الضيفان بوأك القدر، ومهدك السفر. قلت: وأنى يطمئن المطلوب، أو يأمن المرغوب، من دون أن يأوي إلى جبل يعصمه! وقليلا ما يهجع من السلطان طالبه، والخوف غالبه! قالت: لقد ترجم لسانك عن ذنب عظيم، وقلب صغير، وأيم الله لقد حللت بفناء رجل لا يضام بفنائه أحد، هذا الأسود بن قنان، أخواله كعب، وأعمامه شيبان، صعلوك الحى في ماله، وسندهم في فعاله، صدوق الجوار، وقود النار. قال: فقلت: يا جارية، وأنى لى به! فقالت: يا خادم، مولاك! فلم تلبث أن جاءت وهو معها في جماعة من قومه، وقال: أي النعمين علينا أنت؟ فسبقتني المرأة، وقالت: هذا رجل نبت به أوطانه، وأزعجه زمانه، وأوحشة سلطانه، وقد ضمنا ما يضمن له على مثلك، قال: بل الله فاك، أشهدكم يا بني عمي أن هذا الرجل في جواری وفي ذمتي، فمن آذاه فقد آذاني، ومن كاده فقد كادني، وأمر بیت فضرب إلى جانبه، وقال: هذا بيتك وأنا جارك، وهؤلاء رجالك، فلم أزل بينهم في خفض وستة إلى أن سرت عنهم.