وصل إلى حضرة سيف الدولة رجل من أهل بغداد، وكان ينقر العلماء والشعراء بما لم يدفعه. ولا ينكره الوهم.

فتلقاه سيف الدولة بالميين، وأعجب به إعجابًا شديدًا، فقال يومًا: أخطأ امرؤ القيس في قوله:

كأني لم أركب جوادًا للذة ولم أتبطن كاعبًا ذات خلخال

ولم أسبأ الزِّق الروى ولم أقل لخيلي كرى كرة بعد إجفال

وهذا معدول عن وجهه، ولا شك فيه.

فقيل: وكيف ذلك؟ إنما سبيله أن يقول:

كأني لم أركب جوادًا ولم أقل لخليلي كرى كرة بعد إجفال

ولم أسبأ الزِّق الروى للذة ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال

فيقترن ذكر الخيل بما يشاكلها في البيت كله، ويتقرن ذكر الشراب واللهو بالنساء، ويكون قوله: «للذة» في الشراب أطبع منه في الركوب.

فبهت الحاضرون، واهتز سيف الدولة، وقال: هذا التهى وحق أبى!

فقال له بعض الحاضرين من العلماء: أنت أخطأت وطعنت في القرآن إن كنت تعمدت.

فقال سيف الدولة: وكيف ذلك؟ فقال: قال الله تعالى: (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى، وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى)

وعلى قياسه يحب أن يكون: وإن لك ألا تجوع فيها ولا تظمأ، ولا تعرى فيها ولا تضحى! وإنما عطفه امرؤ القيس بالواو التي لا توجب تعقيبًا ولا ترتب ترتيبًا.

فخجل وانقطع!