لو كانت الأسئلة تُكال بعدد حروفها لكان هذا السؤال خفيفًا، ولو كانت الأسئلة تقاس بنتائجها لأصبح ذلك السؤال خطيرًا، ولو سألنا عن فلسطين المقهورة منذ عقود طويلة، لكان الجواب مفجعًا وماحقًا، ما دامت الأرض بقدسيتها والحق بشرعيته والزيتون بتجذّره يتلظّون جميعًا تحت لهيب الاحتلال والاستيطان وبين فكّي قسوتهما.

احتلالٌ سطّر الظلم بعمود السحاب، ورسّخ القهر برصاصه المصبوب، واستمرأ التجبّر بجرفه الصامد، فيقابله الغضب الفلسطينيّ بما تيسّر له من حجارة السجّيل وتحت عناوين الفرقان والعصف المأكول، وتبقى غيمة الحائط المسدود وأنشودة عنق الزجاجة تراوحان مكانهما بلا ضوء وبلا أمل.

قد لا يختلف عاقلان عند الحديث عمّا قامت به إسرائيل مؤخرًا في حي الشيخ جراح في القدس، وكونه انتهاك فاضح ومتكرر للقيم والأعراف الأخلاقية والقانونية والدولية كافة، حيث ردّت عليه حركة حماس ومن ساندها من حركات المقاومة الفلسطينية انطلاقًا من قطاع غزة.

ومع الإقرار بتبعات ردة الفعل الحمساوية وما سببته من أضرار اجتماعية واقتصادية ونفسية للجانب الإسرائيلي المعتدي، وما خلفته آلة القتل الإسرائيلية من مئات القتلى والجرحى وآلاف المهجّرين من الذين احتضنتهم المدارس أو استوعبهم العراء، ثم اعتبرت حماس ما جرى نصرًا عزيزًا ومؤزرًا يقتضي الاحتفال به، وإطلاق الخطب الهادرة في بهجته.

ربما لا بدّ أن نسأل حماس المنتشية، الكثير من الأسئلة، مثلما قد نسأل أنفسنا أيضًا رغبة في مراجعة الذات وطمعًا في الاستفهام، هل الفاتورة الباهظة التي تكبدها القطاع نتيجةً لتلك الحرب المشؤومة تعتبر انتصارًا، حتى لو أربكت الخصم وملأت ملاجئه بالسكان لعدة أيام؟، وهل أفرزت تلك الحرب المقيتة أي تبديلٍ معتبر على متغيرات معادلة الأرض والاحتلال والحصار والسيادة والمعابر؟!.

ثم هل بقاء حالة التشرذم الفلسطيني بين حماس وفتح لأكثر من أربعة عشر عامًا، سينبت أي زرع، وسيطرح أي ثمر في الواقع الفلسطيني؟ وهل وجود ما يقرب السبعة عشر فصيلا مقاوما فلسطينيا في غزة وحدها، لكل منها كينونته ونظرته ووجهته ومسمياته، سينعكس خيرًا على قضية فلسطين العادلة؟، وهل ترى حماس أن ملايين الجُمل المتعاطفة وملايين الكلمات المؤثرة، تلك التي غزت الفضاء الإلكتروني والتواصل الاجتماعي، سيكون لها اليد الطولى فعليًا في نصرة فلسطين؟.

وربما الأخطر من ذلك والأدهى، هل التصاق قادة حماس في داخل غزة وخارجها بإيران المنبوذة دوليًا، والمُعاقبة أمميًا وثنائهم الموصول صوبها سينعش ذلك الحق الفلسطيني، أم سيغرقه في مستنقع التجاذبات الإقليمية والدولية التي لا يُحمد عقباها!.

وبعيدًا عن السجع والطباق والتورية السياسية، ترى لو استمرت تلك الحرب المسعورة لأكثر مما كانت عليه، كيف سيكون الواقع المعيشي في غزة المحاصرة، والتي ربما عجزت حماس فيها عن رفع وإزالة أنقاض ذلك الدمار الهائل الذي خلفته آلة الحرب الإسرائيلية بلا هوادة، لولا تدخل الجانب المصري العاجل بوسائله الفنية والإغاثية واللوجستية، وهل إنعاش شرايين الثقة بين حماس ومحيطها العربي، الذي طالما آزر الحق الفلسطيني وعبر عقود طويلة لم يحن وقته بعد!، أو ربما قد غدت تحكمه مسميات العتب والتخوين أكثر من بواعث الحكمة والرشد السياسي.

ويبقى السؤال الأهم عن الحل الأنسب والخيار الافضل، سؤالٌ يملك نصف جوابه الثاني الشعب الفلسطيني وحده وليس غيره، أما النصف الأول فهو أن تتوحد وتتناغم جميع الفصائل والقوى الفلسطينية المؤثرة في بوتقة واحدة وصلبة من النوايا الطيبة والقواسم المشتركة، وأن تصنع برنامجًا وطنيًا وسياسيًا مشتركًا، يرى ويدرك جيدًا جميع التوازنات والمستجدات القائمة لتحقيق الحلم الفلسطيني في دولته وكرامته ومقدساته، والنأي بالمشروع الفلسطيني عما يبعثر طاقته ويحرف بوصلته، وألا ننسى أن إسقاط كلمة «إسرائيل» لفظيًا من خطبنا ومهرجاناتنا لا يلغي وجود ذلك الكيان المغتصب على أرض فلسطين الحبيبة، فهل حقًا انتصرت حماس!