تدار لوحة خلف أبواب المحلات التجارية قبل الأذان بخمس عشرة دقيقة، ويضاف عليها ضعفها مرتين إلى ثلاثة أضعاف وقت الصلاة، حتى انتهاء الصلاة بتوقيت تلك المحلات.

الصلاة ركن من أركان الإسلام ليست مثار جدل أو خلاف، ولسنا كمجتمع سعودي مسلم من الممكن أن نقول بأن طبيعة الإغلاق للصلاة هو من تعطيل الاقتصاد، أو أن ذلك سبب للركود والكساد، حيث تمضمضت بعض الأفواه ذلك، مرا وحلوا، ولم تمجّه في مصلحة البلد في المقام الأول، بل خلطته بين أوراقها ذات الأيديولوجيات الفكرية، للانتقام الثقافي على الصعيد الشخصي، أو من ينسب هذا الإغلاق في أصله إلى عام كانت فيه الصحوة الفكرية تعيش أوج قوتها، ولها عدتها وعتادها، حين تجد الفريق الآخر يحاول أن يلوي عنق النص، ليصنع دليلا أو حجة يدمغ بها نقاد التراث الإسلامي، وكلاهما يقول، من وجهة فكره، ما يروي ذائقة هواه ويحقق مبتغاه. الوسطية والاعتدال، وهي الرأي السليم والفكر الحصيف للدين الإسلامي، انطلقت منه الرسالات السماوية والأخلاق النبوية (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)، لكن أصحاب التيارات الفكرية، منذ حقبة من الزمان، يتحينون الفرص المناسبة ليرموا بعضهم بعضا بوابل من التهم، ويكتبون التغريدات، والمقالات شاهدة للعيان، بينما يجعلون الدين أو الوطن ستارا، ليبثوا سموم فكرهم من خلف عناوين مقالاتهم الجذابة، وهذه قاعدة الشاذ، والشاذ لا حكم له.

إن استغلال هؤلاء الثلة زخم تطور المملكة المتسارع، وهي تلبس ثوبا عصريا، وتنسجه بنسيج اللحمة الوطنية، يجب ألا يلطخ بأقلام من يحمل فكرا يمينيا أو يساريا، أو من يقتنص ديناميكية القرارات وإبداعها، لعزو التخلف والرجعية لنظيره الآخر أو المناوئ له في الفكر والمعتقد، بغض النظر عما إذا كان أحدهما هو الممكّن ردحا من الزمن من كل ما هو ممكن فكريا أو ثقافيا، بيد أن المهم هو أدنى حد من احترام كل فريق للآخر، أو على الأقل مراعاة كل منهما التغيرات المجتمعية والسياسية المتجددة أحكامها حسب تجدد الزمان والمكان.

إن بلادنا - حمى الله حماها وحفظ قادتها - تفطنت لذلك، فنصت المادة الثانية عشرة من النظام الأساسي للحكم على أن تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام.

«مغلق لأداء الصلاة» ليست لافتة خلف بوابة محل تجاري أو بين أروقة محطة إعادة تعبئة الوقود فحسب، بل عادة أصبحت عامة، ومجردة خلا منها نظام الاقتصاد الإسلامي، وتبرأت منها الكتب والمجلدات الفقهية، ومع ذلك ما زالت تتبلور في أشكال عبارات أخرى، تجدد حيوية تلك اللوحة المستهلكة بعبارة أخرى كتبت «سبقناك إلى المسجد فالحق بنا».

وبتطبيق ذلك على واقع المبتكِر لها، تجد أن العاملين لا يبارحون ردهات المحل أو باحاته الخلفية دون سباق للفضل والخيرية، أو أخذا بما تمليه عليهم كلمات تلك اللافتات، كما قال أبو الأسود الدؤلي «لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله... عارٌ عليك إذا فعلت عظيم».

حقيقة لا يقع نظري على لوحة «مغلق لأداء الصلاة» حتى استعيد خيوط قصة ذكرت ليّ من أحد رجال الضبط الجنائي عن ذلك العامل من الجنسية العربية الذي قبض عليه بالجرم المشهود، مستغلا وضع هذه اللوحة مبكرا لغرض التحرش الجنسي بزميلته داخل المحل. نظام العمل السعودي حفظ للعاملين حقوقهم الوظيفية، ومنها الراحة خلال أداء العمل، حيث أوجب نصا لا مناص منه ألا يعمل العامل أكثر من خمس ساعات متتالية دون فترة للراحة والصلاة والطعام، لا تقل عن نصف ساعة في المرة الواحدة، خلال مجموع ساعات العمل. وعطفا على ما سبق، وتفسيرا له، فإذا كان للعامل نصف ساعة خلال الساعات الخمس المتتالية، فإنه بلا شك يستطيع أداء الصلاة بأريحية تامة لمرة أو مرتين دون أن تغلق أبواب محله، وإذا كان وقت العمل لا يتعارض مع أوقات الصلاة، فإن النظام على الراجح منه أنه يمكن العاملين من الاستفادة من هذا الوقت في الطعام أو الراحة أو الصلاة أو بها جميعا.

الاجتهادات الشخصية تختلف جذريا عن الاجتهادات الفقهية، والأولى هي التي صنعت صنم اللوحة المستهلكة، وبما أن الحال كذلك، فإن الفيصل كقاعدة فقهية «أن حكم الحاكم يرفع الخلاف»، ولا سيما أنني لم أقف على نص شرعي يوجب وقف التجارة مع الأذان كحكم تكليفي، ولو سلمنا جدلا بذلك، لنهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عنه فيما عدا نداء الجمعة، فلا مراس ولاجدال.

أخيرا.. إن باب المحل التجاري لا يغلق باب المسجد، والأخير هو موضع السجود في الأرض، حيث قال صلى الله عليه وسلم:.. وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا.

ولقد رأيت أناسا كانوا يتأخرون عن الصلاة في المساجد، ولكن بعد إغلاق المكبرات، واقتصار ذلك على الأذان والإقامة، تجدد لديهم الدافع الديني، فتجدهم يبكّرون ويهرولون، بل وأصبح الواحد منهم أكثر حرصا على النهوض مع أول تكبيرة للمؤذن.

إن المعين على الطاعة هو حرص الإنسان، وخوفه من ربه، وليست مكبرات صوت أو أبواب محلات تجارية، والدين ليس عواطف تستغل لتمرر من خلاله أجندة فكرية كاذبة خاطئة، وكما قال عليه الصلاة والسلام: إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولنْ يشادَّ الدِّينُ إلاَّ غَلَبه، فسدِّدُوا وقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا.