شعار رفعه أحدهم وانتهى به الأمر على ألا يكتب!
فالكتابة يا سادة ما هي إلا وقع صدق وشعلة نور في ظلمات الباطل.
ولجمال الكلمة وقع لا يعرفه إلا من يتسم بتلك الروح الشفافة والذوق العالي، ولهذا بقيت الكلمة المكتوبة أسمى من الأحرف المسموعة وأكثر أمانة وبقاءً.
اليوم، هو تاريخ افتراضي لذكرى الكلمة الصادقة. فعندما كان للكلمة أثر في أمتنا، كانت أمتنا أكثر الأمم حفاظًا عليها، وأكثرها تقديسًا لحروف قرآنها.
يقول تعالى (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات)، وما زلنا نرددها، ونتحاجج بهذا القول الإلهي المصور لحقيقة الإنسان الغارق في المطامع والملذات، ونسي أن يكمل هذا القول العظيم بحجم عظمة الإله المنزل لهذه الكلمات الحقة (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا) ولم نتعظ أبدا!
في زمن المنشورات الإلكترونية، وفي أيام السرعة، ما عاد لحكمة الكتاب الكريم من مكان. فما دفعني للكتابة هذا اليوم بعد انقطاع دام لأكثر من سنة ونصف السنة، هو أنني تابعت أحد معارض الكتب العربية في عاصمة عربية، ودققت في عناوين بعض الكتب التي لا تتناسب قيم أصالتنا العربية ولا أخلاق أمتنا الإسلامية ومبادئنا الأخلاقية.
دهشت لما رأيت من تفاصيل لا تنسجم وقيمنا التي تربينا عليها، فكل ما وجدته هو بعض الأوراق البيضاء التي سحقت عليها الكاتبة مرارًا خلال دقائق قليلة، وخرجت لنا بنتاج أدبي وعلمي لا يستحق أن يحمل أي منهما، وما أثار استغرابي أكثر هو أن عدد رواد المعرض فاق عدد الحضور المتوقع، وهذا خبر مدهش! ولكن ما يخيب الأمل كالعادة هو أنهم لا يقرأون!
فالكتابة يا سادة أصبحت عادة يمارسها من يمتلك وقتًا يتسع للفراغ، ليسلي نفسه بتأويل بعض الحقائق لمصلحة ما، مغيبُ الضمير تماما، أما القراءة والقراء فهما الأخيران تائهان ونادران جدا. والناس هي الناس. تضع المال صوب أعينها، فالبنون.. ثم لا باقيات صالحات في قواميس ضمائرهم.
وكالعادة تبقى الوصية لنفسي أولا وللزملاء آخرا: إن أردت الكتابة، عليك بغسل أفكارك جيدا بصابون الضمير الصاحي، وتوضأ باسم ربك، واجعل نواياك مرضاة الله وحده لا عباده الطالحون منهم ولا أموالهم الزائلة ولو بعد حين.