تتعدد وجوه الاستثمار ومجالاته التجارية، كما تختلف أهدافه ومستوياته ومنافعه العامة والخاصة، وتزداد أهميته عندما يعظم تمويله، ويحسن توجيه مساراته نحو التنمية الوطنية وتطلعاتها، وذلك يشمل جميع الاستثمارات التي تستهدف تحسين المستوى الاجتماعي والاقتصادي لحياة الأفراد والمجتمعات، وتسعى نحو الارتقاء بمستوى خدماتهم وجودة حياتهم، وبما يصب في الصالح الوطني.

تشكل المؤسسات الحكومية التي لها إيرادات معروفة، والشركات الوطنية الكبرى، التي تتوزع ملكيتها ما بين، القطاع الخاص، أو بالشراكة مع الدولة والمساهمين من أفراد المجتمع؛ أحد أهم كيانات الاستثمار الوطنية المأمولة، والتي يفترض أن توجه نشاطاتها نحو الداخل الوطني، بمشروعات تنموية وبرامج استثمارية متنوعة، ينعكس مردودها الإيجابي على المجتمع وعلى المؤسسات ذاتها؛ إذ تعد تلك القطاعات أذرعا وطنية مسؤولة عن المشاركة في تحقيق التنمية الوطنية، بمختلف مقدراتها الاجتماعية والاقتصادية، وبما يسهم في تحفيز النمو الاقتصادي، ويدعم زيادة الدخل الوطني، بتنويع مصادره الإنتاجية، علاوة على كونها مشروعات تخلق كثيرا من فرص العمل، التي يحتاجها المواطنون بمختلف تخصصاتهم ومهاراتهم.

تسهم القطاعات الحكومية التي لها إيرادات معروفة، «كمؤسستي التقاعد والتأمينات الاجتماعية»؛ في كثير من الدول المتقدمة والنامية التي حققت قفزات تنموية نوعية؛ في إنشاء كثير من المشاريع التنموية المهمة والمتنوعة، التي يتطلع الوطن والمواطنون إلى وجودها، والتي نجدها في مشروعات سياحية كفنادق وموتيلات وأماكن إيواء متفاوتة المستوى، أو في مشروعات تعليمية ومعاهد تدريبية عالية المستوى، أو في مستشفيات ومراكز صحية ومنتجعات علاجية، أو في نماذج متميزة من مشاريع الإسكان المتميزة في جودتها، ومستوياتها بما يناسب جميع شرائح المجتمع، أو بالاستثمار في تطوير وسائل النقل ومحطات الطرق بالمستوى اللائق وطنيا، أو ما نجده في مشروعات ترفيهية وثقافية مختلفة، أو برامج رياضية وأماكن صحة عامة وحدائق ومتنزهات؛ تستهدف الارتقاء بالمجتمع ومتطلباته، بل وتحتوي الفئات العمرية والشرائح المختلفة من الشباب وكبار السن والمتقاعدين، وذوي الاحتياجات الخاصة، وغير ذلك من المشروعات التنموية التي يصعب حصرها في عجالة.

عندما نبحث حولنا في جميع المنشآت الوطنية والمشروعات التنموية الأساسية، نجد أن الدولة قد تكفلت بإنشائها ودعمها في حدود مسؤولياتها؛ وعندما نبحث عن مشروعات تنموية نتطلع إلى وجودها كاستثمارات عامة تهم الوطن؛ نتساءل: ما الاستثمارات التنموية التي أنتجتها مؤسسة التقاعد والتأمينات الاجتماعية، في الوطن، وما نوع الاستثمارات التي استهدفتها مشروعاتها، وما مستوى مسؤوليتها في الاستثمار والمحافظة على وارداتها من أموال التقاعد؟! وذلك يدفعنا لتساؤل آخر: ألا يستحق المواطن، الاستثمار من أجله في مشروعات يلمس نفعها ويستفيد من وجودها؟! وألا يحق له أن يعرف أين تستثمر أمواله، وماذا حققت تلك الاستثمارات من أرباح أو خسائر؟! وهل جميع الموظفين/ت، سيسنح لهم القدر، وتتيح لهم ظروف الحياة الاستفادة من تلك النسب المستقطعة من الرواتب؟ وهل هناك رؤية نحو إعداد استراتيجية مدروسة لتوجيه استثمارات التأمينات الاجتماعية؟ وهل هناك نية لمراجعة وإصلاح نظام العمل التقاعدي، بما يخدم المواطن وأسرته من بعده، وبما يؤمن لهم حياة كريمة؟ كثير من التساؤلات التي تبحث عن إجابات من تلك المؤسسات، عن دورها التنموي؟!

وتقف البنوك التجارية على الطرف الآخر من المشهد الوطني؛ فعلى الرغم من ارتفاع نسبة الأرباح التي تستقطعها البنوك من العميل، وعلى الرغم مما تجده من دعم وطني وفوائد مالية خيالية؛ كنتيجة لعظم حجم الادخار والإيداع العام والخاص، وتزايد تراكم فوائده؛ فإن التساؤل الذي يطرح نفسه، أين مساهمتها في برامج التنمية الوطنية؟ أين هي من المواطن وحاجاته؟ ولماذا تكون معظم استثماراتها خارجية ولا نراها أو نسمع عنها؟ أو أنها غير ملموسة لنا كمواطنين؟ لماذا لا نشهد لهم مشروعات وبرامج تطويرية وتنموية، تناسب ما يحققونه من أرباح وما يجدونه من فوائد خيالية؟

مساهمة القطاع العام الذي يتمتع بموارد مالية ثابتة، والقطاع الخاص، والقطاع التشاركي ما بين العام والخاص؛ يعد مطلبا أساسيا في تنمية المجتمعات وفي تحريك اقتصادها، وهي شريكة في تحمل المسؤولية الوطنية مع مؤسسات الدولة، نحو تحقيق رفاه المجتمع، وهي مطالبة بالمساهمة في تنويع موارد الدخل، بل وفي معالجة كثير من التحديات التي تواجه المجتمع في متطلباته المتجددة، وهي معنية بالتعاون مع الدولة في تحقيق أهدافها الوطنية المأمولة، بما ينعكس مردوده إيجابا، عليها وعلى الوطن والمواطنين، وإن ما توفره تلك الاستثمارات الوطنية؛ مضمونة فوائده المادية والتنموية، وبها يمكن تعزيز وسائل الأمن المجتمعي والاستقرار الأسري والرفاه الاجتماعي، والذي يزيد من ثقة المواطن فيها.