من المحاور المشتركة بين المثقفين والباحثين والمتخصصين والعلماء والكتاب ومن سار مسيرهم، محور (التراث والموروث) والحفاظ عليه، أوتجديده، أو نقضه من أساسه، والذهاب من النقيض إلى النقيض، أو المزاوجة بين الأمور، وهو الذي اصطلح على تسميته بـ«الأصالة والمعاصرة»..

التاريخ يشهد بدعوات متلاحقة لنفض اليدين من التراث؛ جملة وتفصيلا، بغية اللحاق بركب الآخرين سلوكا وتفكيرا، ودعوات أخرى من أجل النظر للشريعة من خلال نوافذ تحدم أغراضا خاصة؛ لا تمت للتطور المزعوم، ولو كلف ذلك عموم الجدال الحاد بين الناس، ولو كلف أيضا المزيد من انتشار الفكرالظلامي بينهم.

دون أدنى شك، تحليل الحوادث ونقدها أمر مطلوب، ويدخل في ذلك ضرورة تحديث العقليات، وتجديد الأفكار، والتعامل مع ما مضى بما لا يمنع من تجديده، وفي نفس الوقت بما يضمن بقاء الثوابت؛ حتى يتم تحقيق التطور المنشود، والذي لمحت إليه سابقا، وأعني به «الأصالة والمعاصرة»، لأن ذلك كفيل بالقضاء على معوقات النجاح المختلفة.

التراث المطلوب التعامل معه هنا، ليس هو الكتب والمخطوطات، والنظريات والدراسات، فحسب، بل هو كذلك نفس الإنسان وعقله ونفسيته وفكره وما يعجبه ويمارسه وما يحن إليه وما يهواه وما يمارسه وغير ذلك، شريطة عدم هدم المبادئ والقيم والأخلاق الفاضلة، أو العمل على التهوين من شأنها.

جميل جدا أن يتبدل الإنسان لصالح واقعه، ولكن ينبغي له أن يحذر من أن يكون في «مهب الريح»، بلا لون أو طعم، ويقلب حياته، «رأسا على عقب»، ويقفز على المعالم الواضحة للدين، ويفلسف الأمور وفق هواه، ودون أي ضبط أو انضباط، ويفكك الأحاديث الثابتة، فضلا عن الآيات الشريفة، ويخلط ويخبط، ويظن نفسه أعلم العالمين، غير معترف بالمتخصصين، ولا بالمتعمقين، في مسائل الدنيا، ولا حتى في مسائل الدين.

التصرفات غير الحكيمة، والأفكار غير المتزنة، والسلوكيات غير الحضارية، علل حقيقية، لكل الذي نعيشه، وهي الأسباب التي أفرزت عدم اللامبالاة بالمهمات، مع السلبية في التعاملات، وإحداث خلط تام بين العقل والوجدان، وتشكيل واقع سيئ للناس أجمعين، وفصل بين جسم المرء وروحه، في تعمية مستمرة، وازدواجية عجيبة، وتصورات وهمية، ونقاشات «بيزنطية»، ورجوع وهروب للخلف؛ بالعمد تارة، وبالتغافل تارة أخرى، مع ابتعاد تام عن المصادر الأصيلة، وعدم تفريق بين الأصيل الصحيح، وبين الطفيلي الزائف، وهذه هي النقطة الفاصلة بين أهل اليمين، وأهل الشمال..

واقع اليوم، لا يصلح له من يداهن، أو من ينافق، أو من يسقط ما يريد من تفسيرات على ما يريده من شؤون؛ واقع اليوم يحتاج إلى من ينصف ما في الماضي من تراث، وإلى من يتحدث بلهجة واضحة مفهومة، وإلى من لا يدخر وسعا في دفع أي متربص بوحدة وطنه، وتلاحم أبنائه، وتحقيق آمالهم وأحلامهم وأمانيهم، وتغذيتهم بالوعي اللازم لإسعادهم، واعتبار أن كل فرد مسؤول عن رؤية وطنه، وعن بناء كل شبر فيه، وعن إشاعة الإيجابيات والحسنات، والوقوف ضد كل من يحاول التقليل من الجوانب المضيئة في مسيرة النماء والتطور.