عندما وصلت بكين لأول مرة للسياحة في أغسطس 2014، كنت أعاني عند التواصل مع الصينين لعدم إجادتهم للغة الإنجليزية، كنت أحاول بقدر الإمكان أن أتواصل معهم بلغة الإشارة، ولكن المعاناة الحقيقة كانت عندما أسأل بعض الشباب في الشارع عن عنوان مكان ما. كان البعض بمجرد أن أحاول أن أشير له للعنوان الذي أرغب الذهاب إليه يتركني ويهرب، البعض منهم يتراجع للخلف وهو يضحك بخجل، الأكثر جرأة هو من يحاول أن يصف لي الطريق وهو محمر خجلا، ويضع يده علـى عينيه ويضحك، ويعود ليحاول أن يكمل شرح الطريق لي. كنت أشعر بالغضب كلما تعاملت مع واحد منهم، ولا أنسى عندما سألت أحدهم عن عنوان مكان ووضع يديه على صدره فزعا، وحاول أن يتراجع للخلف وبشكل لا أرادي، وأنا أشعر بالغضب أمسكت بيده ووضعتها على الخريطة، وقلت له أنا لن آكلك، فقط أريد أن أسألك كيف أذهب لهذه المحطة، وقف خائفا وكاد أن يبكي وهو يشرح لي الطريق ولم أفهم منه شيئا، وحينها تدخلت سيدة كبيرة في السن تراقب الوضع، وقالت أنا سوف أشرح لك الطريق، دعه يذهب، وأخبرتني أنها معلمة بإحدى الجامعات في بكين، وقالت لي هنا الشباب والفتيات لا يتحدثون مع الغرباء، ويخافون من التحدث بالإنجليزية لأنهم لا يتقنونها، شكرتها على مساعدتها وغادرت.

بعد أن عدت للصين للدراسة في إحدى جامعاتها، واختلطت بهم وتعلمت لغتهم وجدت تفسيرا لتصرفاتهم، عرفت أن سببها الرئيس يبدأ من سياسة الطفل الواحد التي فرضتها الحكومة الصينية على شعبها قبل 40 سنة، والتي خلّفت جيلا كاملا، يعيش وحيدا دون أشقاء يشاركونه حياته، جيلا مدللا طلباته تعد بمثابة الأوامر، وعلى والديه أن ينفذاها فورا.

الأمر الآخر، يعيش طول يومه وحيدا، لا يتحدث سوى مع والدته أو جدته التي تقوم بتدليله من الصباح الباكر، توفر له كل احتياجاته، ولا ترفض له طلبا، ينشأ غير معتاد على الحديث مع أقرانه، ومع الغرباء، لا يخرج من المنزل برفقة أصدقائه الصغار، ينحصر في عالمه الصغير داخل المنزل، في الوقت الذي يجب عليه أن يتعلم كل شيء في الخارج.

عندما أتخيل شخصا يعيش في بيئة مثل هذه، فإني ألتمس له العذر في ارتباكه عندما يفاجئه شخص أجنبي -وبلغة غريبة- في الشارع بسؤال عن محطة مترو، لأنه لم يعتد على أن يلتقي شقيقا في منزله يشاركه حياته، لم يعتد أن تكون لديه خالات وأبناء خالات وأبناء عم، لأن والده وحيد وأمه وحيدة وهو أيضا وحيد.

كان هدف الحكومة الصينية من قرار سياسية الطفل الواحد، هو ألا يزيد عدد السكان عن معدل النمو المتوقع لاقتصادها، ولتحدّ من الفقر، ونجحت في أن قلصت نمو سكانها بعدد أقل من 400 مليون نسمة في حالة لو أنها لم تتخذ سياسة الطفل الواحد.

ولكن هذه السياسة خلّفت كثيرا من الآثار السلبية، من أكثرها ضررا، هو نمو جيل كامل من الشباب مترددين وأنثويين وخجولين أكثر من اللازم، ولذلك أطلقت الحكومة الصينية مبادرة لحل هذه المشكلة، أضافت مادة «الرجولة» في المنهج الدراسي، من مرحلة رياض الأطفال وحتى الثانوية العامة، وتوظيف المزيد من معلمي التربية البدنية، وتكثيف الصالات الرياضية، ودعم البحوث في قضية تأثير مشاهير التواصل الاجتماعي في المراهقين.

وهنا يأتي التساؤل هل نحن في السعودية نعاني من هذه المشكلة مع اختلاف الأسباب؟، وخاصة عندما نقارن الجيل الحالي بجيل التسعينات، الجيل الحالي الذي اختفى من الشوارع، لم نعد نرى أطفالا يلعبون على الدراجات في الشوارع، أو كرة القدم في الأحياء، يختبئون طوال اليوم خلف شاشات الأيباد، على تطبيقات هزيلة، يتابعون مشاهير في قمة السذاجة، يقبعون في المنازل ومجرد ذهاب أحدهم إلى السوبر ماركت القريب من منزلهم يعتبرها مغامرة كبيرة.

هل العوامل المختلفة الجديدة التي غيرت حياة أطفالنا، ستجعلنا نكتشف متأخرين بأننا بحاجة إلى برامج تنقذ أطفالنا من مشكلة الانطواء والخجل، وعدم القدرة على التعامل مع الحياة خارج المنزل بالشكل المطلوب.