خلال الأعوام القليلة الماضية، شهدت المملكة تغييرات عديدة فيما يتعلق بالتطوير الهيكلي الإداري، وتم تطبيقها في عدد من أجهزة وقطاعات الدولة؛ وذلك لرفع كفاءة هذه الأجهزة، وتحسين أدائها، ومواكبة التطور والتغيير الاقتصادي الذي يتجه للتحول إلى الاقتصاد الرقمي بصورة كاملة، لتحقيق التنمية المستدامة التي تهدف لرفع جودة الحياة، إلى جانب التفاعل مع التغييرات المستمرة محليا وإقليميا وعالميا.

جاءت هذه التغييرات متمثلة في إعادة الهيكلة ودمج بعض الهيئات مع بعضها بعضا بعد قياس أدائها، لكي تتماشى مع منظومة تطوير الأداء والارتقاء نحو الأفضل، لتحقيق الأهداف والمهام الرئيسية للعملية التطويرية، بما فيها رفع فاعلية الإنفاق وكفاءته، بما يتوافق مع تطور مجريات العملية التنموية بصورة أكثر شمولية، لتحقيق مصلحة المواطن والمقيم، بمشيئة الله تعالى.

ووفقا لذلك، جاء قرار مجلس الوزراء القاضي بدمج الهيئة العامة للزكاة والدخل والهيئة العامة للجمارك في هيئة واحدة تحت اسم «هيئة الزكاة والضريبة والجمارك». وسوف يعمل هذا الدمج - بمشيئة الله - على رفع مستوى تكامل الإجراءات في الجهتين، وذلك من خلال عملهما على منصة موحدة، توظف التقنيات الحديثة التي توفر الوقت وتقلل الجهد، وتؤدي إلى تقديم خدمات متكاملة ومثلى، وهذا بدوره سيدعم التنافسية الاقتصادية للمملكة، إذ سيؤثر في تصنيف مدى سهولة القيام بالأعمال في المملكة.

ولأهمية قرار الدمج، فقد صدر معه، في الوقت نفسه، قرار مجلس الوزراء بالموافقة على تنظيم هيئة الزكاة والضريبة والجمارك بالصيغة التي تم إرفاقها مع القرار، حيث أصبح التنظيم نافذا للعمل به منذ تاريخ نشره في مايو الماضي، وهذا بدوره قد وفر الإطار العام التشريعي والقانوني اللازم لإدارة دفة العمل في الهيئة، وذلك لما تضطلع به من دور كبير في رفع إيرادات الدولة، بالإضافة إلى حماية المستهلك من خطورة السلع المغشوشة والمقلدة، واستئصال ظاهرة تهريب الممنوعات بأنواعها المختلفة.

بشكل طبيعي، قد تظهر بعض الصعوبات والتحديات في البداية، ولكن مع مرور الوقت سيتم التغلب عليها - بإذن الله. ويتعين على الهيئة القيام بدور التوعية والتواصل، والتوجيه للمتعاملين معها، لتوضيح الصعوبات والتحديات وتخطيها، وللاستفادة مما توفره عملية الدمج للمتعاملين معها (العملاء)، حيث يجب أن تتم خدمتهم على هذا الأساس، وهذا يشمل ممثلي الهيئة أيضا، وذلك لأن الدمج سوف يسهم بالضرورة في تطوير قدرات رأس المال البشري بإكسابه خبرات ومهارات جديدة، ستساعده في الارتقاء بالأداء، ورفع جودته تدريجيا.

من المتوقع كذلك أن يعمل الدمج على تحقيق عدد من المكتسبات والمزايا - بإذن الله، ومن أبرزها حصر الإجراءات في منصة تكاملية واحدة، كما ذكرت سابقا، إذ سيتم من خلال نافذة واحدة تقديم خدمات الجهتين، ويتم عبرها توظيف التقنيات الحديثة، سواء كانت خدمات الزكاة والضريبة أو خدمات الجمارك؛ مما يقلل من الجهد الذي كان يُبذل في إنهاء المعاملات ما بين جهتين مختلفتين، والذي كان يستغرق وقتا وجهدا كبيرا، بالإضافة إلى توفير النفقات التي كانت موزعة بين الجهتين، لتصبح أقل نسبيا بحصرها في جهة واحدة وإدارة واحدة، مما يجعل التحكم في الأداء ومراقبته أسهل وأكثر كفاءة.

أحد أهم مكاسب الهيئة بعد الدمج تتمثل في تبادل الخبرات والمهارات بين منسوبي الجهتين، لتصب في مصلحة جهة ومنصة واحدة، ومن أهم هذه الخبرات: كيفية التصدي لتهريب السلع المغشوشة والمقلدة، ومكافحة تهريب كل أنواع الممنوعات، الأمر الذي سيؤدي إلى رفع الحس الأمني لديهم، ومن ثم تحسين ممارسة الأعمال في الهيئة، مما يسهم بدوره في تعزيز مكانة المملكة، في إطار دعم جهود تحولها إلى مركز لوجستي إقليمي، وهذه ميزة تنافسية سوف تساعد على جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية إليها.

وأنوه هنا بأن هذه التغييرات الهيكلية، من فصل ودمج وإلغاء واستحداث وزارات أو هيئات أو مصالح، هي آليات تقوم بها حكومة المملكة بطريقة منهجية، وهي متطلب تنموي يخدم العملية التنموية. كما أنها عملية مستمرة حسب اقتضاء الحاجة، لذلك ينبغي أن تكون مقبولة بشكل طبيعي، حيث يتعين على جميع الجهات ذات العلاقة بالهيئة الجديدة التواؤم سريعا، والتعامل معها وفقا لذلك.

ختاما.. لقد اتبعت الدولة في عملية الدمج خطوات الحوكمة، التي تتمثل في تطبيق القوانين والنظم والقرارات التي تستهدف تحقيق الجودة والتميز في الأداء، ورفع الكفاءة، من خلال توظيف التقنية، وتحديد مستهدفات واضحة من عملية الدمج، وآمل أن تحقق هيئة الزكاة والضريبة والجمارك الأهداف المرجوة منها على المدى القريب والبعيد، وبما يخدم المصلحة العامة - بإذن الله تعالى.