شكا الحجّاج يومًا سوء طاعة أهل العراق وسقم مذهبهم، وسخط طريقتهم، فقال له (جامع المحاربي) وكان شيخًا صالحًا خطيبًا لسِنًا: أما إنهم لو أحبوك لأطاعوك، على أنهم ما شنئوك لنسبك، ولا لبلدك، ولا لذات نفسك، ولكنهم نقموا أفعالك، فدع ما يبعدهم عنك إلى ما يدنيهم منك، والتمس العافية ممن دونك تعطها ممن فوقك، وليكن إيقاعك بعد وعيدك، ووعيدك بعد وعدك.

فقال الحجاج: والله ما أرى أن أرد بني اللكيعة إلى طاعتي إلّا بالسيف!.. فقال جامع: أيها الأمير، إن السيف إذا لاقى السيف ذهب الخيار!

فقال الحجاج: الخيار يومئذ لله !.. فقال جامع: أجل، ولكن لا تدري لمن يجعله الله!.. فغضب الحجاج وقال: يا هناه، إنك من محارب!

فقال جامع: (وللحرب سمينا وكان محاربا.. إذا ما القنا أمسى من الطعن أحمرا)

فقال له الحجاج: والله لقد هممت أن أخلع لسانك، وأضرب به وجهك.. فقال جامع: إن صدقناك أغضبناك، وإن كذبنا أغضبنا الله، وغضب الأمير أهون علينا من غضب الله

فانشغل الحجاج ببعض الأمور، فخرج جامع خلسةً من المكان.